في كل مرة يشتد فيها الجدل، وتُثار القضايا الخلافية دون مراعاة للمصالح الوطنية العليا، يحاول البعض أن يضع نفسه فوق الوطن والناس، وتخرج الى العلن أصوات عديدة تتمادى في الذهاب الى ما هو أبعد مِن مصالح الوطن نحو مصالح ضيقة جداً، والكل في مثل هذه الحالات، وكما يُقال "كل يغني على ليلاه"، مما يفاقم مِن الأزمات بسبب هذا البعض المتناقض أساساً مع نفسه.
هذه الأيام الماضية نشهد جدلاً واسعاً في أوساط النُخب السياسية، مؤسسات وأشخاص، ومِن الحكومة ذاتها، يشتد الخلاف ويزداد الجدل، ويحاول كل فريق أن يثبت أنه الأكثر وطنية والأكثر انتماء والأكثر ولاء، فِرق عديدة خرجت الى الساحة، الكل تحدث ويتحدث، طالب ويُطالب، يدافع ويؤكد ويصر ويشجب ويلعن وينظر ويترقب، ويهدد، كل شيء بات مسموحاً، حديث وأقوال، مطالب دون أفعال، ثم موافقات وتراجعات، وأخيراً حتماً ستكون تنازلات وابرام للصفقات.
طبعاًَ مِن حق النخب أن تتحدث، وتتأول ما شاء لها الحديث والتأويل، ولكني أجزم كما يجزم كل الأردنيين، أنه ليس مِن حق أحد أن يعكس أهدافا فئوية وربما شخصية تمسّ بالدولة، وإن كان مِن حقه نقد أي شيء نقداً موضوعياً وبنّاءً يبتغي فيه وجه الله والوطن والشعب، أولاً وثانياً وثالثاً وعاشراً، فالدولة لنا جميعاً دون استثناء وحتماً علينا واجب أن نكون جميعاً أيضاً لها ومعها في أي وقت وفي أي ظرف كان.
وأرى أن المغالاة بالاشياء أياً كان نوعها، هي تطرف وانحراف عن المعهود والمتعارف عليه، فهي لا تفضي إلا الى نتائج غير محمودة، وتؤثر سلباً في أداء المجتمعات، وتعكس نفسها على حركة الحياة وتعيق التطور، وعندما تقرر أية جهة التعبير عن مواقف لا تنسجم مع السياسات العليا للدولة، عليها أن تراعي عدم اللجوء للبيانات المثيرة، لأن هذا الأسلوب كثيراً ما يؤدي للإرباك، وقد يُفسد أجواء البيئة الاجتماعية، والحرص على عدم إطلاق الشعارات التي لا تلتقي مع الذوق العام، وتتعارض مع الثوابت الوطنية، فالأمناء على صون المكتسبات يتجنبون مبدأ تعميم المزاودة بمفهومها الذي يحول دون التوّصل لحلول منطقية، أو إطلاق العنان للنعوت والأوصاف التي لا ترتكز على حُسن النوايا، سعياً للخروج مِن تبعات المواقف السلبية، ويُصار لمعالجة ذيول القضايا بالكيفية التي تُبقي على حُسن الترابط الاجتماعي، وهذه فضيلة، يُدركها الذين خبروا مساوىء الفتن، ما ظهر منها وما بطن.
لعلي هنا أرى أن "العزف" بات "نشازاً" بسبب الابتعاد عن أصول "اللحن"، وتطوره مِن الاعتماد على الإستهداف والمناكفة، لأسباب ربما لا يطّلع عليها الكثير مِن عموم الناس، الى التصيد والاصطياد في المياه العكرة، وخاصة أن هناك مَن يرتفع صوته وتتعالى صيحاته مِن التصعيد والتأزيم نحو استهداف الوطن، وهو "الخط الاحمر" الذي يُمنع على أحد تجاوزه مهما كانت صفته، فهذا البلد أشم وشعبه صف واحد كالبنيان المرصوص كان وسيبقى في مواجهة الشر و"صانعي الفتن"، شعب يلتقي على كلمة سواء وموقف سواء ومِن كل المشارب والأطياف والاهتمامات.
وبعد مهما تناحرت الفِرق، ومهما هذا ادعى، وذاك اتهم وثالث اقترح، وآخر طالب وأمر وقرر، وهكذا وبالرغم مِن كل شيء، فإن الاردن القوي لا يتأثر والأردنيون لا يهمهم أمر الفرقاء المدعين على حساب وطنهم، ونقول ونؤكد أن الأمور تتجه نحو مسارها الصحيح، وأن الفِرق لا يمكنها الخروج أبداً عن ما يقرّه “المايسترو” الذي ما زال مستمراً في عزف سمفونية "الأردن الأنموذج" والوطن الكبير جداً جداً.