زاد الاردن الاخباري -
في الرابع من أكتوبر عام 1950 توفيت الشابة السوداء هنريتا لاكس نتيجة مرضها بسرطان الرحم، وكانت أماً لخمسة أطفال وعمرها 31 عاماً، ولكن موت هذه المرأة تحول إلى ثورة غير مسبوقة في عالم صناعة الدواء، فقد قام الاطباء بأخذ خلايا من جسمها من دون علم أهلها. ونجحوا بعد خلط تلك الخلايا مع مواد خاصة في زراعة خلاياها السرطانية في المختبر، وكانت المرة الاولى التي تعيش فيها الخلايا البشرية خارج الجسم.
ومنذ ذلك الوقت أصبحت خلايا «هيلا» نسبة الى هنريتا لاكس عقاراً استفاد منه مئات الملايين من المرضى، نظراً الى دورها في تطوير لقاحات شلل الاطفال، وتقنيات التخصيب بالانابيب، والابحاث الجينية، وفهم أمراض السرطان وصناعة الادوية لمرض الانفلونزا وأمراض اخرى، وتم انتاج أكثر من 50 مليون طن من خلايا هنريتا منذ وفاتها، في حين ان الاعتراف باستخدامها تم ذكره في أكثر من 60 ألف بحث، حيث تضاف 10 أبحاث جديدة يومياً.
ومع ذلك، فإن جثة هنريتا مدفونة في قبر غير مميز ولا يحمل اسمها، في حين ان أطفالها ظلوا يجهلون لأكثر من 20 عاماً ان خلايا أمهم لاتزال حية، وانه تم استخدامها لإنتاج انواع جديدة من الادوية بصورة كلية.
وفي حقيقة الأمر، فإن هذه القصة المثيرة كانت واحدة من أكثر الكتب مبيعاً وانتشاراً بفضل الكاتبة المتخصصة في المواضيع العلمية ربيكا سكلوت والتي استغلت قضية هنريتا وخلاياها كي تحولها إلى تحليل قوي لسلوك الاطباء المعاصرين، وسياسات تسويق الادوية. وفي الوقت نفسه، قدمت سيرة حياة هنريتا واطفالها على نحو مؤثر، وطبقاً لما ذكره احد النقاد، فإن نجاح ذلك الكتاب يرجع الى المعالجة البارعة لقصة هنريتا من قبل الكاتبة، ولكن في الوقت نفسه، ثمة أفكار مثيرة للاستفزاز والتي مفادها «العنصرية، والطبقية، واستبداد الطاقم الطبي والقواعد التي تحكم الخصوصية».
وطبقاً لناقد آخر، فإن هذه السمات هي التي دفعت الكتاب نحو قائمة افضل الكتب مبيعاً. وبالتأكيد بالنسبة لدولة تواجه الآن نتائج ومنعكسات نظام التأمين الصحي، فإن قصة هنريتا تحمل مدلولات كبيرة، حيث يقول أحد أبناء هنريتا «إذا كانت أمنا مهمة إلى هذا الحد بالنسبة للعلم، فلماذا لا يمنحوننا تأمينا صحياً».
وكانت هنريتا حفيدة اجداد عاشوا عصر العبودية وهي نفسها عملت في مزارع الدخان، وتزوجت زميلها في العمل ديفيد وقريبها، وبعد ان أنجبت خمسة أطفال أصيبت بسرطان الرحم وتوفيت في مستشفى جونز هوبكنز وهو المكان الوحيد الذي يقبل علاج السود في المنطقة، وهناك قام الدكتور الباحث جورج غاي بأخذ عينة من خلاياها السرطانية، للوقوف على أسباب السرطان. واكتشف الرجل أن تلك الخلايا كانت تعيش في المختبر وهي سابقة غير معروفة بالنسبة للعلم. ويوجد في أيامنا الحالية صناعة دوائية مزدهرة تعتمد على خلايا هنريتا، في حين أن السيرة العلمية لآلاف العلماء اعتمدت عليها. ومع ذلك لم يكتشف ابناؤها إلا عام 1973 عن طريق المصادفة ان خلايا أمهم خلدت وأصبحت حجر الزاوية في صناعة الادوية، وأن العديد من الاشخاص أصبحوا من اصحاب الملايين اعتماداً على تلك الخلايا.
وتظهر قصة هنريتا وأطفالها السمة السيئة للادوية في الولايات المتحدة، حيث يتم استخدام الاميركيين من أصول إفريقية حقول تجارب، واثارت حكاية هنريتا القضية المهمة والمتعلقة بحقوق المرضى الذين تم استخدام انسجة اجسامهم قاعدة لصناعة الدواء والعلاج.
وجاءت جميع الاحكام في أيامنا إلى مصلحة العلماء وشركات صنع الدواء، ومع ذلك، هناك جماعات منهم نقابة الحريات المدنية الاميركية، تقول إنه في العديد من الحالات كانت شركات الادوية متعجلة كثيرا لتسجيل ملكيتها لبراءة اكتشافات تمت على انسجة تبرع بها المرضى. ومع تزايد الاكتشافات كثر الجدل حول هذا الموضوع.
وتم طرح هذه القضية من قبل ديبورا ابنة هنريتا التي ساعدت الكاتبة سكلوت على تأليف كتابها، وقالت «الحقيقة يجب ان تقال، ونحن لا نستطيع ان نقف في وجه العلم، لانه يساعد الكثيرين في حياتهم، ولكن ما أريد التأكيد عليه أني بحاجة الى تأمين اجتماعي، إذ لا يعقل أن أدفع شهرياً مبالغ كبيرة من أجل الدواء الذي ربما ساعدت والدتي على اكتشافه وصنعه».
الامارات اليوم