تسع وتسعون حكومة في تسعين سنة....!!!!
صايل الخليفات
الغريب في الأمر أننا لغاية الآن لم ندخل موسوعة قنس ، ولم يلتفت إلينا من قبل المهتمين لدراسة هذه الظاهرة الحضارية إن صح التعبير ، أو الكارثة السياسية - من منظور آخر - التي تعصف بأمة لم تع معالم الطريق الذي تسير فيه بعد، ولا تعي مخاطره !!
تسعة وتسعون حكومة لغاية الآن تناوبت على إدارة شؤون المملكة منذ التأسيس ، والمدة الزمنية تسعون عاما !!
لا أدري بما أبدأ الحديث !
لو افترضنا أن كل حكومة تكونت من عشرين وزيرا ،فإننا والحمد لله لدينا خط انتاج جيد استطاع تأمين الوطن بألفي صاحب معالي لغاية اللحظة على الأقل ! طبعا اضرب واطرح من عندك فأنت مفوَّض و"بتمون" ؛ لتحصل على الرقم الذي تتكبده خزينة الدولة "رواتب ومكافآت لهؤلاء" ! ولا ننس أن هناك رقما آخر من أصحاب السعادة نوابا وأعيانا ،إذا علمنا أن لدينا حوالي ستة عشر مجلسا نيابيا منذ العام 1947 م،والرقم ايضا يزيد عن ألف وخمس مئة نائب على الأقل ، ولك كذا أخي القارئ أن تضيف للرقم الذي حصلت عليه آنفا رقما صعبا آخر عن رواتب هؤلاء ونفقاتهم !
انسَ هذا كله ! وتعال معي لننظر إلى حجم الإنجازات عندما تقول: تسع وتسعين حكومة !
لا تقل لي أبراج عمان ...... أو جسر عبدون ... أو المدن الصناعية ...أوفندق كذا ومنشأة كذا !
لنكن منصفين ، إذ ليس من المنطق أن أجعل تلك المؤسسات الخاصة ،وتلك المنشآت الضخمة التي تعود ملكيتها لشركات ومؤسسات خاصة، أو رجال أعمال ناجحين ،والمباني والعقارات التي لمواطنين ، ليس لنا أن ننتحل هذه كلها على أنها منجزات لهذه الحكومات !
وسأقول لك مقابل هذه التمويهات التي يتبجح بها البعض المدلس ، ويعرضها التلفزيون الأردني والإعلام الخرافي الوطني في كل مناسبة أو عيد وطني على أنها منجزات وطنية ، سأقول لك :إن نتاج هذه الحقبة الزمنية بهذا الكم الهائل من الحكومات : مقدرات وطن مبيوعة بالكلية ، ومؤسسات وطنية كبرى متعثرة ، وفساد مالي وإداري وثقافي وسياسي متراكم وعلى أعلى المستويات ..."ويا حبيبي على أعلى المستويات "..! ومديونية تقارب العشرين مليارا ، تضاعفت في السنوات الأخيرة بصورة توهمك أن الحكومة تستضيف الشعب لديها كل ليلة ، " تهشه وتنشه " ، " تطعمه وتسقيه " ، " وتداعبه وتسليه ".... !
كل هذا ، والحال مرشح لمزيد من الحكومات ،بمزيد من النفقات ، وبمزيد من المخططات والاستراتيجيات ، فكل حكومة "بقلة البركة " تمثل طيفا ما ، وتنطلق من رؤية ما ، ولا تلتئم واحدة مع أخرى على طبق واحد , فمحال أن تجد اثنتين منهن قامتا أو تواصلتا على إنجاز هدف واحد أو رؤية واحدة ! بل إن الأسخف من هذا ،ألا يوافق برتكول وبرستيج صاحب معالي بروتوكول وبرستيج معالي من سبقه ، فتتغير الديكورات، ومراسم الاستقبال ،وموظفي الخصوص بتغير أشكال أصحاب المعالي والدولة ، وكله على "حسابي" ،"حسرة على حسابي" !!!
إن الذي دعا إلى هذا الهراء هو فشل هذه الحكومات حسب ما يظهر في صياغة البرامج الوطنية ، وتحقيق ما يمكن أن يخدم المصلحة الوطنية أصلا ، فضلا عن احتمالية تطبيق سياسة الاسترضاء للقوى الفلانية والعشيرة العلانية ؛ وبين هذا وذاك ،تلوح سياسة " كسر جماح الأنفس عن التوق إلى المعالي" !!
نهاية يمكن القول أن الاختيار لكل هذا "القرنبع" من الحكومات لم يكن موفقا ،ولن يكون كذلك إن استمر هذا النهج وبهذه الكيفية ، فلم يعد أفق مؤسساتنا الوطنية يحتمل مزيدا من المناورة والتجريب ، ولم يعد المواطن قادرا على تحمل مزيد من الكذب والنفاق ، ولا يملك أغلب المواطنين أعزَّ من مستقبل أبنائهم الذي باتوا يرونه يُستلب من أيديهم، ويضيع باسم الوطن حين كان أولاً، ثم يُدْعَوا ليتحملوا مزيدا من الويلات والصدمات تضحية له.