فرقٌ كبير بين العدوانين اللذين وقعا على غزة من العدو الصهيوني بين عامي 2008م -2012م . فعلى المستوى العسكري كان العدوان الاول مفاجئاً ومباغتاً لحماس وكانت الضربة الاولى موجعة ومؤلمة فقدت حماس جزءاً كبيراً من ضباطها وشرطتها وبعض رموزها السياسية والعسكرية وتم تدمير مقارها الامنية ، اما العدوان الثاني فقد كانت المفاجئة لإسرائيل اذ ان صواريخ حماس طالت معظم المدن الاسرائيلية ودكّت تل ابيب لأول مرة منذ عام 1973م(باستثناء صواريخ صدام حسين) وأجبرت سكانها على المبيت في الملاجئ والمجاري ،وعاشوا اجواء حرب حقيقية لا تختلف عن الاجواء التي يعيشها اهل غزة اثناء العدوان مع فارق بسيط ،ان اهل غزة لم يلجئوا الى مواسير المجاري ، كما طالت صواريخ حماس مدينة القدس التي عبر العرب فيها عن فرحتهم وبهجتهم بهذه الصواريخ اما اليهود فقد فعلوا ما فعله اقرانهم في تل ابيب ، وفشلت القبة الحديدية التي كلفت اسرائيل 38 مليون دولار (تبرعت امريكا بمعظمها) في اعتراض معظم صواريخ حماس اذ لم تستطع هذه القبة اعتراض اكثر من 20% من الصواريخ.
واستطاعت هذه الصواريخ ان تقتل من الضربة الاولى اربعة صهاينة وتجرح عدد اخر واستطاعت دفاعات القسام ان تسقط طائرة عسكرية وطائرة استطلاع بلا طيار ، وقد اثبتت هذه القدرة بما لايدع مجالاً للشك فشل الحملة الاولى التي ادّعى العدو فيها تدمير قدرات حماس العسكرية وكسر ارادتها على الصمود.
اما على الجانب الاخر فقد بدا الارتباك واضحا على القيادة الاسرائيلية فمرة يقولون بأنهم حددوا ساعة الحرب البرية ثم يتراجعون ،ومرة يعلنون وقف الغارات اثناء زيارة الوفد المصري ثم يتراجعون ،ومرة يعلنون انهم استدعوا ثلاثون الف جندي احتياط ثم يختلف هذا الرقم الى ستة عشر الفاً فقط ،ومرة يعلنون انهم سيوسعون دائرة العدوان واخرى يستنجدون بأمريكا لإقناع مصر بالتوسط لدى حماس للتهدئة ، وحماس هذه المرة ترفض وتتحكم في زمام الامور .
اما على المستوى السياسي في الفرق بين العدوانين كبير ،ومظاهره لا تخفى على احد ، فالعرب عام 2008م ليسوا هم عام 2012م فمصر التي كان حسنيها يرفض فتح معبر رفح ،ويحمّل حماس مسؤولية العدوان ،ويشدد الحصار على اهل غزة ،ويعطي الحق لإسرائيل بمراقبة معبر رفح ، لا بل ان الاشارة الاولى للعدوان بدأت من لقاء وزير خارجيته(ابو الغيط) مع ليفني عميلة الموساد صاحبة الليالي الحمراء والغرف المظلمة مع رموز عربية وفلسطينية اعلنت عنها مؤخراً .
اما اليوم في مصر الثورة فقد اختلف الوضع فيها الى النقيض تماماً ،وهاهو صِدّيقها يفتح معبر رفح على مصراعيه لتقديم كل الدعم لاهل غزة ، ويستدعي سفيره من اسرائيل ليصلح غلطة رسالته المشئومة الى رئيس الكيان الغاصب ، ويطرد جاسوس اسرائيل من مصر والمدعو سفير ، ويرسل رئيس وزرائه الى غزة ومعه اكثر من عشرين شاحنة محملة بالأدوية والمساعدات ويفتح مستشفيات مصر لخدمة الاشقاء ، ويعلن في خطابه من المسجد انه لن ينحاز إلا الى اهل غزة.
هذا في مصر اما في تونس فرئيسها يرسل وزير خارجيته ويعلن لن نسمح لإسرائيل الاستفراد في الشعب الفلسطيني ،فتونس الثورة ليست تونس سيء العصيين ،ولن تكون يوماً إلا لأشقائها الفلسطينيين ،وستدعمهم بكل ما اوتيت من قوة . اما ليبيا فكل الاحاديث تدور على ان الصواريخ الجديدة التي تدك امن اسرائيل قدمت من ليبيا بعد قذف معمرها جثةً هامدة في بطن الصحراء .
اذاً تكسرت على صخرة صمود اهل غزة كل مشاريع التطبيع بين الدول العربية والكيان الصهيوني الغاصب ،وعادت الامور الى وضعها الطبيعي بين العرب وبين كيان غاصب حالة من العداء لا يمكن ان تنصلح طالما بقي هذا الكيان الغاصب.
ان المتتبع لنمو حركة حماس المتصاعد من شيخ مقعد الى حركة بسيطة ملاحقة الى مجموعة من المبعدين الى تنظيم استطاع ان ينال ثقة الشعب الفلسطيني الى دولة فرضت نفسها وقوتها على الساحة الفلسطينية والعالمية .. يدرك ان هذه الحركة تتبناها رعاية الهية ، تعدها ليوم الفصل والتحرير والخلاص والمؤشرات تدل على ذلك وحركة التاريخ تشهد بذلك.
سالم الخطيب