زاد الاردن الاخباري -
يستذكر الأردن والعالم في كل عام، الأسبوع الأول من شهر شباط، ما أعلنه جلالة الملك عبدالله الثاني المعظّم، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، الأسبوع العالمي للوئام الديني بين أصحاب الأديان.
فما أحوجنا اليوم في ظل الظروف التي تمرّ بها المنطقة العربية خاصة، والعالم بشكل عام، لمثل هذه الدعوة للتسامح، ليعيد العالم تفكيره في أصوله الإنسانيّة، وإلى جذور العلاقات التي تبني العالم على قيم المساواة والعدالة، والحض على السلام بمعناه الواسع.
ومن هنا الدعوة التي أطلقها صاحب الجلالة الملك عبدالله الثاني، والتي ترتكز على القيم الإنسانيّة والدينيّة بين أصحاب الأديان، وكأساس لبنيان الإنسانيّة، ولما كان في الأديان ما يجمع أكثر مما يفرّق، وفيها من الغنى القائم ما يثري في التنوع والوحدة، ومنفعة عامة للأوطان، لذا وجب التركيز على قيمة التسامح كأصل للمحافظة على البناء الذي نشيّده في قلاع مجتمعاتنا ومؤسساتنا، فالتسامح يعدّ من أهم الفضائل الواجب على الإنسان ممارستها في مجتمعه الإنساني، ليسود بين الناس السلام والتضامن والألفة والعدالة والمساواة والمحبّة الحقيقية.
وتأتي مرادفات التسامح التساهل والمودّة في أنواع العلاقات أكانت الدينيّة أم الاجتماعيّة أم الفرديّة القائمة بين الناس، ونقيضه التعصّب الداعي للتشدد والكراهيّة والبغضاء.
ومن هنا وجب أن لا نخلط بين ما نسميّه التمسك المتين بأصول الدين وقواعده الصحيحة والتعصّب الديني، فالتمسّك واجبٌ على المؤمن التقي، وفضيلة سامية. ومظاهره ممارسة ما يفرضه الدين من أخلاق سامية ولطف اجتماعي وكرم في المعاملة، وأمّا التعصّب فمنبوذ، ورذيلة اجتماعية قبيحة، بل يدفع صاحبه للاعتقاد خاطئًا أنه هو وحده مالكٌ للحقيقة، مما يقود للتفرقة الدينيّة.
مظاهر التسامح الديني:
1 - تقدير الاعتقادات الدينية: فالأديان تعلّم الناس الإيمان بالله والآخرة والثواب والعقاب، وممارسة الفضيلة ونبذ الرذيلة. وتأمرهم بالمعروف وتنهاهم عن المنكر، وتفرض عليهم الرحمة والصدق والإحسان والحقّ، وتحثهم على طهارة القلب وصفاء النية وإنشاء علاقات الإخوة والمودة الخالصة بين الناس أجمعين. فهذه التعاليم السامية تستحق تقدير الجميع وتبجيلهم. فلا يجوز لأحد أن يحتقر دين غيره.
ولذا فالتسامح الديني يحثنا على تقدير المعتقد وحرية الضمير وعدم الضغط على من لا يدين بديننا، وإبداء مظاهر التجلة والإكرام لما يقولونه ويعتقدونه.
2 - البحث عن الاعتقادات المشتركة بين الأديان: إن بين الأديان المنتشرة في بلادنا اعتقادات كثيرة مشتركة. فكلّنا نؤمن بالله تعالى، ونؤمن بأنه إله واحد لا إله غيره، إله قدير، أبدي سرمدي قهّار، خالق السماوات والأرض، إله حنون يعتني بمخلوقاته كلّها، ولا يريد لها إلا الخير والسعادة في الدنيا.
والأديان تؤمن بالثواب والعقاب. فالثواب لأهل الفضل والخير، والعقاب لمرتكبي الإثم والأشرار.
وكلّنا نؤمن بفريضة الصوم والصلاة وواجب الإنسان القيام بأعمال البرّ نحو بائسي هذا الدهر. فالمؤاساة والمحبّة والصدقة هي من تعاليم الأديان كلّها وهي فضائل مشتركة بين جميع المواطنين.
فالتسامح الديني يحملنا على أن نبحث عما هو مشترك بين اعتقاداتنا، لتكون التعاليم المشتركة وسيلة للتفاهم والتعاضد ونبذ الخصومات وإقامة حسن الصلات والجوار.
وأمّا نتائج التسامح الديني، فهي:
• إزالة الطائفية البغيضة ذات الأفق الضيّق.
• تجنب التفرقة الدينيّة في العلاقات السياسية والاجتماعية والفردية بين أبناء دين ودين، ومذهب ومذهب، فالأديان كلها تدعو إلى الخير، فالدين لله والوطن للجميع.
• تفادي الخصومات التي يذكيها التعصّب الديني وسط المجتمع، وإقامة حسن جوار ومحبة وتفاهم بين الجميع.
• تصفية القلوب وتطهيرها بالفضائل الدينية النبيلة والعواطف الوطنية الصادقة التي تجمع الناس كّلها في عبادة الله ومحبة الوطن.
وأمّا واجب التسامح الديني: فيجب أن نمارسه إلى أقصى مداه:
• لأن أدياننا تعلمنا التسامح وتأمرنا به.
• لأن بلادنا، وفيها الأديان والمذاهب المختلفة، لا تحيا ولا تزدهر إلا إذا عرف أهلها أن يتسامحوا وينبذوا عنهم الأحقاد الموروثة والتعصب الذميم والطائفية البغيضة.
• لأن بلادنا هي أرض العروبة. والعروبة هي رسالة حضارة إنسانية ولا تنشأ الحضارة ولا تنمو ولا تزدهر إلا في ظل المحبة والسلام. وهذا ما يدعو إليه التسامح الديني بين المواطنين.
الأب جهاد عماري