في خطوة لا أعتبرها بالمفاجأة ولكن كانت متوقعة من قبلي وذلك بعد إجراء الإنتخابات النيابية في يناير الحالي، نال رجل المرحلة المقبلة دولة الرئيس الأكرم الدكتور عبد الله النسور الثقة الملكية السامية،وذلك ليصبح أول رئيس وزراء لأوّل حكومة برلمانية أردنية،فمنذ توليه رئاسة الوزراء قبل خمسة أشهر أطلقنا عليه لقب \"طلعت حرب الأردني\" حيث إستحق هذا اللقب عن جدارة وإستحقاق،فأساسات الإقتصاد الأردني إجتازت المرحلة الأولى من بنائها،فلم يتمكن أي رئيس وزراء سابق من مراوغة عصابة البنك الدولي لإقناعهم بضرورة تحسين الأوضاع المعيشية والإقتصادية للوطن والمواطن على حد سواء كما أقنع دولة الرئيبس النسور.
فبدون النّظر إلى وزراء الحكومة الجديدة،فلا أرى أنّه من سابع المستحيلات أن يتخلّى رئيس وزراء أردني يحمل الرقم الوطني عن وزراء الوراثة،ولهذا علّق خطيب أحد مساجد العاصمة يوم الجمعة المباركة قائلاً على هذه الظّاهرة\" الأسماء كما هي الأب ومن ثمّ الإبن ومن ثمّ الخال ومن ثمّ العم والنسيب والحسيب والله يخليكم بالمرّة لاتنسوا زوج المدام أوأقاربها فهؤلاء والله كما قال شيخنا أساؤا للوطن\" أي بمعنى أو بآخر جنّبنا وزراء رضا وراضي وماظهر منهم وما بطن\".
فما هو المانع من دولتك من توزير أتباع الشهيدين وصفي وهزّاع رحمهما الله؟،فهؤلاء والله يكفي أنّهم يرتدون العباءة الأصيلة ويضعون على روؤسهم الشماخ الأحمر،ولكن وزراء الوراثة يرتدون البدل الأنيقة والكرافتات ويرشون أفخم البخور والعطور الفرنسية،فلا ننسى أنّ اليوم هو عصر الأناقة،فعلى الرّغم من أنّ الشعب الأردني يعاني من الرّقص على الجّوارح،فلم نرى أي وزير يتوجه إلى الميدان،فووزرائنا لايخرجون من هذه المكاتب إلاّ عند زيارة معالي معالي آخر وإجتماع مع عطوفة فلان وأخبار تلميع الوزير مثل: غادرنا الوزير الفلاني وذهب الوزير الفلاني أي بمعنى آخر \"طعّة وقايمة\"،فالمطلوب إغلاق الدّكان والذّهاب إلى الميدان،لأنّه أخشى بعد ذلك على حكومتك التي لا أؤيّدها على الإطلاق بل فقط أنت شخصياً تستحق التأييد أن نغفلكم عن المحاسبة فيا دولة الرئيس من نحاسب؟ دولتك أم وزرائك أم أجدادي في قبورهم؟
وعندئذ لو إستعرضنا كتاب التكليف الملكي السامي إلى دولة الرئيس النسور لوجدنا مصطلح \"الثورة البيضاء في العمل العام\"،ولنعتبره الأميز والأكثر أدباً وتأدباً ،ولعلّ أكبر دليل على ذلك هو تسمية النسوركرجل لهذه الثورة،ولكن خطوات تطبيقها تتطلب شجاعة ورجال شجعان وأوفياء ،وأرى أنّ مواصفات تلك الثورة لاتتحقّق إلاّ بالنقاط التالية:
- تطبيق قانون من أين لك هذا؟ الذي وافقت عليه حكومة دولة عبد الله النسور الأولى،والطلب من مجلس الأمّة بسرعة إقراره.
- مكافحة الفساد مكافحة حقيقية وهي ركن أساسي لايتجزّأ من نهوض الثّورة .
- إحتكام وزرائنا ونوّابنا وأعياننا وكافة مسوؤلينا بمختلف رتبهم إلى الدستور الأردني والذي يعتبر أفضل الدّساتير في العالم.
- تطبيق مباديء رسائل جلالة الملك إلى دولة الرئيس عبد الله النسور بما فيها اللجنة الملكية لتطبيق النزاهة والشفافية وغيرها.
- تغيير مواقع رؤساء ذات العلاقة بمكافحة الفساد وأهمها هيئة مكافحة الفساد وديوان المحاسبة وغيرها لضعف أدوارهم الرقابية.
- تعيين لجنة خاصة مشتركة بين نخبة من نوابنا وأعياننا لمتابعة الأداء الحكومي ومراقبة الوزراء وطلب الإطاحة بهم في حالة كثرة تجاوزاتهم.
- عدم إرساء التعيينات الحكومية سواء كانت الصغيرة أو الكبيرة على الأقارب والنسايب أي على قاعدة أنا وإبن عمّي على الغريب.
- إعطاء الدوائر الرّقابية ذات العلاقة بمكافحة الفساد صفة الضّابطة العدلية.
- عدم التدخل بشوؤن القضاء فإذا كان له قريب فاسد فلايقربه جزاء مافعلت يداه،ومنع الواسطة والمحسوبية وكذلك فضح دوائرهم.
هكذا دولة الرئيس ستخلق ثورة بيضاء فمسيرة الخمسة شهور الماضية التي توليتها كانت كافية للقبض على بعض هوامير وحيتان البلد،فتصريحك السّاخن يقول:\"لن أوفّر فاسداً ولو كلّفني ذلك منصبي\"..ولكن لم نرى أي فاسد وراء القضبان.
وعلى هذا الأساس أقول لك أنّني أكره في الذّكر سمتين سيئتين الأولى التنظير والقيل والقال والثانية التلوّن كالحرباء فاليوم قال شيئاً خطيراً ولكن غداً أنكر ماقال فهذا أخطر شيء في عالم الرجولة وكذلك مكروه من لدنّ البشر،فيقول ربّ العزّة:\"كبر مقتاً عند الله أن تقولوا مالاتفعلون\".
يادولة الرئيس نحن في الأردن الشعب ليس بينه وبين الملك أي شيء،ولكن خلافنا مع حكومات ترعى الفساد والفاسدين، فكانت نتيجة ذلك أن عمّقوا الخلافات بين النظام السياسي الحاكم والشعب فوقعت المشاحنات والمصادمات، فالحيتان فازوا والفقراء يدفعون فواتير عهرهم.
فلا أعتقد أنّ مكافحة الفساد في الأردن هي صعبة كما تحلو لكم فأنتم تعرفون أسماء الفاسدين وعناوينهم وحساباتهم المالية،فعاقبوهم على مابدر منهم من قسم اليمين والكذب على ذقوننا،حيث إنّ مانستدل من هذا أنّ الحيتان لايرتضون بشيء،إلاّ أن يكونوا هم فوق كلّ شيء فهؤلاء حملوا إسم الأردن عبثاً وهوية مزوّرة.
بقي أن أقول أنّ الأربعة أعوام القادمة يادولة الرّئيس كافية لدرء الفساد والفاسدين،وهي التي ستضع مصداقيتك أمام الشعب،فإمّا أن تكون عصامياً تكسب مصداقية الشعب،وإمّا أن تركب موج الغارقين في الفساد والبائعين للأوطان،وهذا لانرتضيه لكم وحاشاً لله أن تكون منهم.
الشعب الأردني يادولة الرئيس ينتظر منك المفاجآت،لقد مللنا هذه الحكومات وسئمنا وعودها،وثبت بالوجه الشرعي( أنّ أصحاب المعالي كلّ شيء يفعلونه خارج البلد من علاج وتدريس أبنائهم وإستجمامهم،ولكن الشيء الوحيد الّذي يفعلونه داخل البلد هو سرقته إلاّ مارحم ربّي).
فقبل أيّام خرجت إحدى الشخصيات من الجنوب على إحدى الفضائيات وفي بث مباشر،لتكشف البلاوي الزرقاء للمسوؤلين ومعه وثائق رسمية خطيرة تدينهم ،وخصوصاً الّذين يستثمرون العطاءات الخيالية ويستنزفون جيوب المواطنين،فأخطر ماكشف ذلك الوطني الرائع أنّ أعضاء لجان عطاءات تابعة لوزارة مهمة وتحت أعين معاليه قبضوا مكافآت يومية مقدارها خمسة آلاف دينار لكلّ عضو عدا الإمتيازات الأخرى كالراتب والتنقلات،فأسأل دولتك هل هذا المبلغ لايسبّب عجز موازنة؟ وبالتالي هل يتقاضى ضابط مخابرات أو رجل أمن هذا المبلغ؟فأين هي الرّقابة والعدالة يادولة الرّئيس؟
فأنت مطالب يادولة الرئيس من الشعب الأردني بإعطاء الضوء الأخضر للإحتفال أمام الملأ بإسترداد أوّل مليار أردني من جيوب الفاسدين والخونة وذلك لتكون ثورة بيضاء كما يريدها جلالة الملك،فهل تفعلها يادولة الرئيس ويا باشا سميح بينو؟ فالمطلوب فتح قضايا الفساد الكبرى التي أهدرت مليارات الدولارات من الخزينة العامة، طالما بحمد الله وتوفيقه أقررتمّ قانون الكسب غير المشروع.فنرجو تحمل مسوؤلياتكم الوطنية تجاه هذا الأمر،فمن توفّاه الله نسأل له الرحمة،ومن بقي على قيد الحياة فلا رحمة لسارق من المال العام تحت أي ظرف من الظّروف.
ومن هذا المنطلق يادولة الرئيس إمّا نعيش في بلادنا كرماء أونموت شرفاء،فإن متنا في ميادين الفخر ففي ذمّة الله والتاريخ.
* كاتب وباحث - مدير عام مركز النضال للدراسات والأبحاث