الطرب والغناء عند البدو
رغم أن البدوي ذو وقت مشغول في العمل وتربية الماشية وتعلم القنص واستعمال السيف والرحيل والنـزيل إلا أنه يخصص وقتاً من أجل الترفيه عن النفس وتطريبها (عادة يكون في الليل) .
فترى كبير القوم أو الشيخ أو أي شخص من الفريق يدق المهباش لأنه بمثابة دعوة للتجمع وشرب القهوة والسمر فدقات المهباش هي لغة تفاهم(للدعوة) بصمت بين البدو والابتعاد عن الأصوات المزعجة أو إبراز كروت دعوة أو المكالمات الهاتفية .
كما أن إشعال النار وسيلة أخرى للدعوة فيجتمع القوم عندها فالذين يفدون إلى بيت المعزب (بحيث يسكنون بالقرب منه) يسُمون مسايير لأنهم يسيرون ويصلون بسهولة ويسر إلى بيت المعزب وهم يعتبرون أنفسهم بالدرجة الثانية بعد المعازيب .
فترى القوم يتوافدون إلى بيت التعليله كل من بيته فيطرحون السلام ويشربون القهوة ثم بعد اكتمال القوم يقوم العازف بالعزف على الربابة وهي تشبه العود في أيامنا هذه ويصنعها البدو حيث يأخذون أربع خشبات يقرنونها مع بعضها البعض بالمسامير أو أي مشبك آخر ثم يغطونها بالجلد (جلد حيوان من المربى عندهم) ويتصل بها عمود تشد الأوتار وجسم الربابة عليه ويكون فوقها مجموعة من شعر الفرس أو الحصان (السبيب) وهي عبارة عن أوتار الربابة فهي مشدودة شبه جافة ويستعمل اللْبَان (صمغ + شبه) وذلك لزيادة شدة الأوتار (في منطقة وادي السير يتم استعمال علك البطم) فيخرج منها أصوات جميلة حيث يتم مسح الأوتار بها . حيث يمسك بها عازف الربابة بيده ويتحكم بشدة الأوتار عن طريق الضغط عليها بالأصابع بينما يمسك بيده الأخرى القوس الذي يحتوي على وتر .
والربابة لها مفاتيح كالعود حيث يتم شد الشعر أو إرخاؤه حسب الطلب واحتكاك شعر القوس بشعر الربابة هو الذي يولد الصوت الطروب الذي يطرب البدو . وتبدأ جرات الربابة والهجيني (أحد أنواع الغناء والنشيد عند البدو) فترى شاعرهم يطرب الحاضرين فيسمعون كلامه وغناءه ويتدبرون بكلماته ويتغنون بها .
وقد تنهض مجموعة من الرجال لبناء الرقصة ( السحجة ، السامر ، الدحيّه) فالرقصة لأنهم يرقصون والسحجة لأنهم يسحجون أي يضربون الكف بالأخر والدحية لأنهم يرددون كلمة (هي دحي هي دحي هي دحي ) أما السامر فلأنهم يتسامرون ويتعللون ويشاركون بالطرب .
ويقوم أحدهم وعادة يكون من المعازيب بدعوة الرقصة للانعقاد قائلاً: الرقيص يا الربع وين راحوا النشامى .
فينهضون فتراهم يقفون بشكل نصف دائري متراصين يسحجون أيديهم ببعضها وترى أحدهم أو أكثر (القاصود) يقول القصيد بصوت مرتفع بينما يكون دور الباقين (الردايد) بترديد البيت التالي:
هـلا هـلا بيـك يـا هـلا ليتـك حليفـي يـا ولـد
وقد تقسم الرقصة إلى جزأين متقابلين الأول يقول القصيد والثاني يردد وراءه .أما الحاشي فحدث عنها ولا حرج فتراها تخرج فجأة وهي ترتدي اللباس البدوي والبرقع فلا ترى منها إلا العيون فلا يعرفها القوم لأن معرفتها تحز في نفس ذويها خاصة أن ابنتهم ترقص أمام الرجال .
وقد يكون الحاشي ذكر ويختفي في ملابس أنثى فتقوم الحاشي بالرقص في وسط الرقصة والفرصة مواتية لها لإبراز براعتها في الرقص والدفاع عن نفسها وشرفها وعرضها وترى الراقصون (الرجال) يظهرون قدرتهم على مباغتتها للقبض عليها أو السيطرة عليها فيحاول البعض الإساءة لها أو لمسها أو شدها وقد تقوم بضرب ذلك الشخص بالخيزرانة أو السيف الذي تحمله وبالمقابل لا يجوز الإساءة للحاشي لأنها تمثل شرف وعرض المعازيب وقد تكون الحاشية سافرة الوجه معروفة للجميع وفي هذه الحالة تكون أم العريس أو أخته أو عمته فهذه تعبر عن فرحتها .
وبعد انتهاء الرقصة يتحولون إلى الدبكه حيث يستخدمون الشبابه أو الصافور (والتي تُصنع من القصيب أو النحاس أو الحديد) وتكون على شكل أسطواني طويل نسبياً مثقب من الأعلى لتخرج منه النغمات عند النفخ فيه من الفم وذلك بتناسق مع حركة الأصابع على الثقوب ويستخدم البدو كذلك الناي في دبكاتهم وهو مصنوع من القصيب وهو نوعان الأول مفرد (قصبة واحدة مفرغة من الوسط) والنوع الثاني يسمى المجوز (المقرون) أي أنه يتألف من قصبتين مربوطتين معاً والناي له ثقب في الأسفل بخلاف الشبابة .
والدبكة عندهم لها قائد يسمى اللّويح الذي يتواجد في منتصف الدبكة ويقوم بإعطاء الإيعازات للباقي ثم بعد ذلك يجلسون للراحة والاستماع إلى الربابة والقصائد ثانيةً .
أن اطلاق الرصاص في المناسبات البدوية كان ومازال من العادات الشائعة لأنه تعبير عن الحرب والقتال والاستبسال في المعارك وهذا عائد إلى العصبيات القبلية التي كانت تطغى على المجتمع البدوي فتحدث الغارات بين القبائل وتسيل الدماء وتصبح لغة الرصاص هي لغة التفاهم ولغة السلاح هي لغة القوة وإحقاق الحق ورفع الظلم . فالعرس الذي لا تسمع به أصوات الرصاص هو عرس الفقير، المسكين ، الضعيف الذي لا وزن له ولا قيمة وكثيراً ما كانت تحدث المآسي في الأفراح ، إذ يقوم أحد الشباب الطائشين بإطلاق الرصاص أوقات السحجة أو الدبكة . ونظراً لأن يده كانت ترتجف فإن يده تصبح لا تقوى على حمل البندقية ، وهو يطلق الرصاص منها فبدلاً أن تتجه فوهتها إلى الأعلى تتجه إلى الجانب رغماً عنه فتحصد ما تحصد من الناس الأبرياء ويتحول العرس إلى مناحة وإلى أخذ بالثأر والمطالبة بالدم . مما كان يجر على الفاعل وأسرته وعشيرته كثيراً من المآسي والويلات التي لا تنتهي إلا بعد فترة طويلة وبعد تدخل بعض الناس في حلها . أن إطلاق الرصاص لم يقتصر على منطقة دون أخرى أو على عشيرة بذاتها بل شمل جميع مناطق الأردن ودون استثناء وقد تنبهت الحكومة الأردنية لهذه الظاهرة ، وأولتها عناية كبيرة ومنعت إطلاق الرصاص في الأعراس ، وفي المناسبات ، مهما كانت المبررات . إلا أن عادة إطلاق الرصاص بقيت مستحكمة ، لأنه من الصعب التخلي عنها بقوة القانون والنظام . فلا بد من مرور فترة معينة يستطيع بها الفرد أن يتخلى عن عادة مارسها فترة طويلة . مع تحيات الكاتب المهندس تيسير فهد المحاميد العبادي/ماركا
السامر عند البدو (لاحظ الحاشي في الوسط)