زاد الاردن الاخباري -
قال الملك عبدالله الثاني إن "التحديات الاستثنائية وغير المسبوقة، التي تمر بها أمتنا العربية والإسلامية، تستدعي منا جميعا تنسيق الجهود المتصلة بتفعيل العمل العربي المشترك، وتعزيز التعاون بين الدول العربية، لمواجهة هذه التحديات، والحد من آثارها وانعكاساتها السلبية على مصالح أمتنا الإستراتيجية وقضاياها المصيرية".
وأعرب ، في مقابلة مع صحيفة الشرق القطرية، أجراها رئيس تحريرها الأستاذ جابر الحرمي، ونشرتها الصحيفة اليوم عن أمله في "أن تشكل القمة العربية في الدوحة منعطفا إيجابيا، باتجاه وضع آليات تؤسس لعمل عربي مشترك جاد وحقيقي يسهم في مواجهة هذه التحديات".
وفيما يتصل بالوضع في سوريا، دعا الملك في المقابلة إلى العمل للوصول إلى عملية انتقالية سياسية وسلمية، تحافظ على وحدة وسيادة سوريا أرضاً وشعباً، "وبما يوقف انزلاقها نحو الهاوية"، لافتا إلى أن تداعيات الأزمة في سوريا، "فرضت علينا في الأردن وعلى الدول المجاورة، أعباء كبيرة وإضافية، جراء الأعداد الكبيرة من اللاجئين السوريين، الذين يتدفقون بشكل يومي، والذين وصل عددهم قرابة النصف مليون، ومن المتوقع أن يتضاعف الرقم ويصل إلى مليون في نهاية العام".
وأكد الملك، في معرض رده على سؤال حول جهود السلام، "أن تسوية الصراع العربي – الإسرائيلي، هي المفتاح لحل بقية المشاكل التي تواجه الشرق الأوسط، وبغير ذلك، ستبقى المنطقة برمتها، تعاني من حالة توتر وعدم استقرار تجرنا إلى نفق مظلم، وسباق تسلح على حساب التنمية، وبناء مستقبل واعد لأجيال مختلف شعوب المنطقة. ولنتذكر أن غياب العدالة، وتوقف عملية السلام، وفقدان الأمل هي أكبر العوامل التي تسهم في تغذية التوتر والعنف في منطقة الشرق الأوسط".
وفيما يلي نص المقابلة:
(سؤال 1) الملك، العلاقات الأردنية – القطرية في تطور دائم، كيف يستشرف جلالتكم هذه العلاقات؟
الملك: دولة قطر، بلد شقيق وعزيز علينا، وتربطنا بالأشقاء القطريين علاقات أخوية تاريخية، متينة وراسخة، ونتطلع دوما إلى توثيق وتطوير علاقات التعاون والشراكة بين بلدينا في جميع المجالات، وعلى النحو الذي يخدم مسيرة التعاون المشترك، وقضايا أمتنا العربية والإسلامية، ومصالحها العليا والإستراتيجية، والحفاظ على أمنها واستقرارها.
وخلال اللقاءات التي جمعتني مع أخي سمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، كان لدينا حرص متبادل للمضي قدما في تعزيز وتقوية التعاون الثنائي، وكذلك دفع مسيرة العلاقات بين البلدين والنهوض بها إلى مجالات أوسع، بما يعود بالنفع على البلدين والشعبين الشقيقين، وبما يلبي تطلعات أمتنا في بناء مستقبلها الأفضل. وستشكل اللقاءات مع أخي سمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، ضمن قمة الدول العربية التي ستستضيفها قطر، فرصة لتعميق العلاقة والبناء عليها، والبحث في العديد من القضايا والمستجدات الثنائية والإقليمية.
(سؤال 2) أعلن جلالتكم عن حزمة من الإصلاحات، وقد جاءت الانتخابات النيابية الأردنية الأخيرة معلما إيجابيا في مسيرة الإصلاح بشهادة المراقبين الدوليين؟ ما هي نظرة جلالتكم المستقبلية للإصلاح في الأردن؟
الملك: الإنجازات الإصلاحية التي حققها الأردن محطة على الطريق، وطموحنا في هذا الاتجاه ليس له حدود، رغم التحديات والظروف الصعبة التي نمر بها.
الهدف النهائي للإصلاح هو تعميق الديمقراطية والمشاركة الشعبية في صناعة القرار، عبر تطوير تجربة الحكومات البرلمانية، وتمكين مجلس النواب ليقوم بدور محوري في صناعة القرار، وتعزيز دوره السياسي إلى جانب مهامه الرئيسة في الرقابة والتشريع. والمنجز الإصلاحي الذي نريده على الصعيد السياسي تحديداً، هو أن نصل إلى مرحلة يكون فيها مجلس النواب منتخبا على أسس حزبية، بحيث يبرز ائتلاف أغلبية حزبي، يتولى تشكيل الحكومة، يوازيه ائتلاف أقلية يشكل حكومة ظل تنشط بالرقابة والمساءلة واقتراح البرامج البديلة.
وبطبيعة الحال، فالوصول إلى هذه المرحلة المتقدمة سيتطلب عدة دورات برلمانية لإدراك حالة النضوج السياسي والحزبي الضرورية، بالإضافة إلى إصلاحات تشريعية وتطوير الكثير من الممارسات الحافزة للديمقراطية، كاعتماد الحوار، واحترام الاختلاف والتنوع، والإيمان بالتعددية.
مسيرة الأردن الإصلاحية، بدأت قبل الربيع العربي، وستمضي أبعد منه. ونحن نؤمن بالتدرج، المبني على التخطيط الجيد، ونأمل أن توفر التجربة الأردنية في تعميق الديمقراطية والانفتاح والتعددية نموذجاً يحتذى في المنطقة.
(سؤال 3) كيف ينظر جلالتكم إلى أهمية القمة العربية المنعقدة حاليا في الدوحة، في هذه الظروف التي تمر بها الأمة العربية؟
الملك: التحديات الاستثنائية وغير المسبوقة، التي تمر بها أمتنا العربية والإسلامية، تستدعي منا جميعا تنسيق الجهود المتصلة بتفعيل العمل العربي المشترك، وتعزيز التعاون بين الدول العربية، لمواجهة هذه التحديات، والحد من آثارها وانعكاساتها السلبية على مصالح أمتنا الإستراتيجية وقضاياها المصيرية.
وكلي أمل أن تشكل قمة الدوحة منعطفا إيجابيا، باتجاه وضع آليات تؤسس لعمل عربي مشترك جاد وحقيقي إزاء قضايا ملحة مثل: الطاقة، والمياه، والبيئة والتلوث، الفقر والبطالة والتنمية، وصعود التطرف، وتدهور الأوضاع في دول شقيقة، إلى درجة تهدد جوارها العربي وأمن واستقرار المنطقة ككل
(سؤال 4) بعد عامين من الثورة السورية، كيف ينظر الملك عبدالله إلى الوضع في سوريا، خصوصا في ظل تحمل الأردن أعباء كبيرة جراء استضافة أعداد متزايدة من اللاجئين؟
الملك: طالما دعونا إلى ضرورة جلوس جميع الأطراف على طاولة الحوار، قبل أن تتفاقم الأوضاع، وتخرج الأمور عن نطاق السيطرة وتصل درجة عالية من التعقيد، ومرحلة اللاعودة. المأساة السورية تدخل عامها الثالث، والمعاناة الإنسانية وحجم الدمار مؤلم. والأكثر إيلاماً هو تفتيت نسيج المجتمع السوري. لذا علينا الضغط بجميع الاتجاهات للوصول إلى عملية انتقالية سياسية وسلمية، تحافظ على وحدة وسيادة سوريا أرضاً وشعباً، وبما يوقف انزلاقها نحو الهاوية.
لقد فرضت تداعيات الأزمة في سوريا، علينا في الأردن وعلى الدول المجاورة، أعباء كبيرة وإضافية، جراء الأعداد الكبيرة من اللاجئين السوريين، الذين يتدفقون بشكل يومي، والذين وصل عددهم قرابة النصف مليون، ومن المتوقع أن يتضاعف الرقم ويصل إلى مليون في نهاية العام. والأردن، رغم محدودية موارده والظروف الاقتصادية التي يمر بها، استقبل وما زال يستقبل مئات الآلاف من الأشقاء السوريين. ويتحمل في سبيل القيام بواجبه الإنساني والأخلاقي، ما يفوق إمكاناته وطاقاته، وهناك حاجة ماسة لتكثيف الدعم العربي والدولي لإدامة جهود الإغاثة للاجئين السوريين في الأردن، وأيضاً بدء إيصالها للمنكوبين داخل سوريا لوقف موجات اللجوء
(سؤال 5) عملية السلام مجمدة منذ سنوات، ولا يبدو في الأفق عودة قريبا للمفاوضات. وفي الوقت نفسه إسرائيل تمارس إجراءات أحادية الجانب على الأرض كما هو الحال مع بناء المزيد من المستوطنات. كيف ينظر جلالتكم إلى عملية السلام؟ وما هي قراءتكم لمستقبلها؟ وهل جلالتكم متفائل تجاه الجهود الأمريكية لتحريك عملية السلام؟ وما هو الدور الذي يقع على الرئيس الأمريكي في ولايته الثانية؟
الملك: تشكل القضية الفلسطينية جوهر الصراع في منطقة الشرق الأوسط، والوصول إلى حل تاريخي عادل وشامل هو مصلحة إستراتيجية للأردن. ومقومات التسوية معروفة للجميع: حل عادل وشامل للصراع الفلسطيني –الإسرائيلي على أساس حل الدولتين، الذي يضمن قيام الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة والقابلة للحياة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، مقابل توفير الأمن والقبول لإسرائيل ونعتبر أن تسوية الصراع العربي – الإسرائيلي، هي المفتاح لحل بقية المشاكل التي تواجه الشرق الأوسط، وبغير ذلك، ستبقى المنطقة برمتها، تعاني من حالة توتر وعدم استقرار تجرنا إلى نفق مظلم، وسباق تسلح على حساب التنمية وبناء مستقبل واعد لأجيال مختلف شعوب المنطقة. ولنتذكر أن غياب العدالة، وتوقف عملية السلام، وفقدان الأمل هي أكبر العوامل التي تسهم في تغذية التوتر والعنف في منطقة الشرق الأوسط.
المشكلة هي في التعنت الإسرائيلي وقصر النظر وانحصار الرؤية بالإدارة اليومية للصراع. وأخطر ما يقلقنا هو استمرار سياسات الاستيطان، التي تقوض فرص حل الدولتين، بالإضافة إلى الانتهاكات والإجراءات الاستفزازية في القدس الشريف، والسياسات التي تهدف إلى تغيير الواقع السكاني، وإفراغ القدس الشرقية من سكانها العرب، المسلمين والمسيحيين.
ومن هنا، فإن المجتمع الدولي مطالب بتكثيف جهوده لإطلاق تحرك دولي فاعل، لتهيئة الظروف الملائمة أمام الفلسطينيين والإسرائيليين للانخراط في مفاوضات جادة، في أسرع وقت ممكن، لمعالجة جميع قضايا الوضع النهائي، بما يحفظ الأرض الفلسطينية ويؤدي إلى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.
وبالنسبة للدور الأمريكي، فلا شك، بأن الولايات المتحدة تلعب دورا مؤثرا وحيويا في دعم جهود السلام في الشرق الأوسط. ولقد لمسنا على الدوام استعدادا والتزاما من الإدارة الأمريكية للمضي قدما لتنفيذ رؤية حل الدولتين، وكنا نسمع منها طروحات تركز على قضايا الحل النهائي للقضية الفلسطينية مثل موضوعي القدس واللاجئين، وضرورة أن يأخذ الحل القادم الأمر بعين الاعتبار، وبما ينسجم مع قرارات مجلس الأمن الدولي ومبادرة السلام العربية. وأعتقد أن الرئيس أوباما سيلعب، في ولايته الثانية، دورا مهما في دفع مسيرة السلام وإحراز تقدم حقيقي في مسار عملية التفاوض على أساس حل الدولتين. ونحن نبذل جهوداً حثيثة، بالشراكة مع دول شقيقة وأصدقاء أوروبيين، لإيجاد بيئة حافزة تشجع الإدارة الأمريكية على الانخراط السريع في إحياء عملية السلام وقيادة مفاوضات جدية وذات مغزى.
وقد لمست، خلال لقائي مع الرئيس باراك أوباما، أثناء زيارته إلى الأردن قبل أيام، حرصا متزايدا على الاستمرار في دعم جهود تحقيق السلام، وهذا يشكل فرصة ليتحرك الجميع إلى الأمام على هذا الصعيد.