النخب السياسية والافلاس المعرفي
د.بلال السكارنه العبادي
إن المتابع للمشهد السياسي الاردني في السنوات السابقة ، خاصة مع ظهور فكرة الربيع العربي وما رافقها من تداعيات على الدول التي حدثت بها ، يرى مقدار انخفاض مستوى المعرفة السياسية بكثير من القضايا السياسية العامة والاقتصادية والحياة الحزبية وكيفية تداول السلطات لدى النخب السياسية ، والية استشعار هموم الوطن والمواطن بصورة تلبي طموحات الشعب وحاجاته.
وعندما ترى مكونات الحياة السياسية لدينا في السلطات الثلاث ( التشريعية والقضائية والتنفيذية ) بالاضافة الى التنظيمات الحزبية ومؤسسات المجتمع المدني ، وحتى التكتلات النقابية وغيرها من الجمعيات ذات البعد السياسي ، ان الجميع يلهث وراء منصب سياسي بالحكومة او الاستفادة من ان يصبح عضو في اي من الهيئات الثلاث السالفة الذكر وليس من اجل تقديم الخدمة للوطن واهله.
وان المشاهد لاداء مجلس النيابي السابع عشر وما رافقه من تصريحات او سلوكيات لبعض اعضائه يلحظ مدى تدني اداء هذا المجلس ، وان الكثير من شخوصه يدلون بتصريحات لا يعرفون مقدار تاثيرها على الاقتصاد الوطني والعلاقات الخارجية للدولة او حتى على تكوين المجتمع وشرائحه ، وكيف ان بعضهم يدعو الى الشرذمة والتناحر بين افراد الشعب الواحد.
هذا من جانب بالاضافة الى ما رافق اداء الحكومة السابقة او التي تم تشكيلها اليوم ، من ارهاصات وتشوهات شاب اداءها لكثير من القضايا المحلية والوطنية والاقليمية والاحراجات التي ساهمت في زيادة التوتر في العلاقات الدولية والعربية والاقليمية، وعدم قدرة بعض وزرائها على التعامل مع كثير من القضايا المحلية عبر الاعلام والوسائل المتاحة المناسبة لمعالجة مثل الازمات ، وان دل هذا يظهر مقدار نقص الخبرة والدراية عند الغالبية العظمى من طاقم الحكومة ، وهذا يعود الى سياسة اختيار الوزراء التي تتم بطريقة عشوائية دون خطط وبرامج حزبية تساهم في الرقابة على اداء الحكومات المتعاقبة .
وهذا بدوره قد ساهم في ايجاد نخب سياسية من خارج اطار الرحم الحقيقي للعمل السياسي والحزبي والتنظيمي الذي يشكل جوهر اساسي لبناء مؤسسات صحيحة وسليمة قادرة على اداء دورها بالشكل الصحيح والمناسب.
ومن هنا فان الهندره السياسية اصبحت مطلباً حقيقياً ، لما تنطوي عليه في فكرة الاصلاح بكافة حيثياته ؛ ومتعلقه بالمنطلقات والمبادئ الحاكمة للإصلاح؛ فالإصلاح لغة ضد الإفساد، والصلاح ضد الفساد؛ حيث يقال أصلح الشيء: أزال عنه الفساد، وصلح الشيء زال عنه الفساد ، فالإصلاح ترقية وتحسين وتطوير إلى الأفضل والأرقى. ولكنني أقول بشكل مبسط أن الهندره السياسية هي تطوير، تغيير، تحسين في عناصر المنظومة الاقتصادية، والسياسية، والفكرية، والثقافية، والاجتماعية، لأنه لو لم يتحقق الإصلاح في كل هذه المجالات بطبيعة الحال؛ فسوف يكون حصاد الإصلاح و ثماره متواضعة للغاية؛فهل يُتَصوّر أن يتحقّق إصلاح اقتصادي دون إصلاح اجتماعي، ودون إصلاح في نظام التعليم؟ نحن نعلم أن إصلاح نظام التعليم هو مفتاح تكوين رأس المال البشري؛ فتنمية الموارد البشرية شرط لازم لإنجاح النشاط الاقتصادي؛ فلا يمكن أن يتحقق نشاط اقتصادي بغير بشر، أحسن تعليمهم وتأهيلهم، وبالتالي الإصلاح الاقتصادي نجاحه يتوقف ضمن ما يتوقف على إصلاح منظومة التعليم، أيضاً الإصلاح الاقتصادي يحتاج إلى قدر من الإصلاح السياسي.
و لكي تنجح في بناء نخب سياسية قادرة على اداء ادوارها ، لا بد من اعادة هيكلة كافة الانشطة السياسية والحزبية بطريق تساهم في رفع كفاءة العمل السياسي والارتقاء بكافة مؤسسات الوطن لتحقيق اهدافها.
bsakarneh@yahoo.com