ارميمين: تصويبُ الخطأ ما زالَ ممكناً
د. عبدالناصر هياجنه
====
ليس العجزٌ في أن لا نقيمَ البناء، ولكن العجزُ – كلُ العجزِ- هو أن نهدم بناءاً قائماً بقدرة الله لا بتدبيرنا وسعينا. هذا ما حدث فعلاً في قرية ارميمين . قرية جميلة على أطراف عمان والسلط، حباها الله بالجمال الطبيعي، فالتضاريس والمياة العذبة متوفرةً وجاريةٌ على مدار العام. والقرية بحد ذاتها قصةَ تشهدُ تعايشٍ إنساني بديعة بين أصحاب العقائد. ولكنها كانت ضحية سوء التخطيط والتنفيذ والإدارة، وقبل ذلكَ وبعده، مخالفة القانون الذي يوجب مراعاة الاعتبارات البيئية عند وضع وتنفيذ برامج التنمية وإقامة المشروعات والمرافق.
جرى قبل سنوات إقامة "سجنٍ" أو مركز إصلاح وتأهيل على مدخل قرية ارميمين دون مراعاةٍ للخصائص البيئية والطبيعية التي تجعل من ارميمين قريةً سياحيةً بإمتياز، ودون إجراء دراسة تقييم للآثار البيئية السلبية على المنطقة. ودون تفكيرٍ أو بحثٍ عن بدائل للموقع. ومنذ سنواتٍ وأبناءُ القرية وغيرهم من الناشطين البيئيين يكتبون ويطالبوا بطريقةٍ حضارية - قبل إقامة "السجن" وبعد إقامته- بمعالجة المشاكل الكبيرة التي تركها "السجن" على بيئة القرية وأهلها. وخاصة تلك الناجمة عن المياه العادمة للسجن والتي تلوث ينابيع القرية وشلاّلاتها الطبيعية، ويجري استخدامها في مزارعَ رغم الأضرار الصحية الكبيرة الظاهرة منها والكامنة، ورغم التلوث البصري الذي خلّفه إنشاء السحن في غابات القرية وعلى مدخلها.
"السجنُ" من حيث هو، مرفقٌ عام، لا بد من إقامته ولكن في المكان الصحيح. أما وقد جرى ما كان، فإن المطالبة تنحصر بنقل "السجن" إلى موقع آخرَ لا يدّمر البيئة، وإعادة تأهيل "مباني السجن" لتكون فندقاً أو متحفاً أو أي مرفق يخدم القرية والأردن، وينقذ البيئة ومصادر المياه التي تلوّثت جراء الإهمال المتعمد لها. بل إن قرية ارميمين تبدو مهجورةً إلا من عددٍ قليلٍ من الأهالي ما زالوا صامدين فيها رغم المأساة التي تركها إقامة السجن على كل مظاهر الحياة فيها.
ما حدث ويحدث في ارميمين يطرح تساؤلاً مشروعاً عن مفهوم التنمية الشاملة أو المستدامة لدى صُناع القرار، كما يطرحُ تساؤلاً مشروعاً عن تطبيق القانون الذي يفرض إجراء دراسة تقييم الأثر البيئي لأية منشآتٍ أو مشروعاتٍ أو مرافق. كما أن الرؤية الحديثة لحقوق الإنسان، تفرض أن يتم التشاور مع السُكّان والاستماعِ لوجهات نظرهم فيما يُراد إقامته من مشروعاتٍ أو مرافق في مناطقهم، وبشكلٍ خاص عندما يكون للمشروع أو المرفق تأثيراتٍ بييئةٍ سلبيةٍ عليهم وعلى أراضيهم وفرصهم في التمتع بالتنمية والحياة.
ما تحتاجه ارميمين الآن هو أن يقوم أصحابُ الشأن من المعنيين بالأمر بزيارة إلى موقع "السجن" وإكمال الزيارة بالتعرّف على القرية، وخصائصها، والفرص المتاحة فيها للتنمية السياحية الإستجمامية منها والدينية والعلاجية. فالتنمية المستدامة هي التي تراعي خصائص المكان، وتصون البيئة بمكوناتها الحية وغير الحية، وتُساعد المجتمعات المحلية من بناء وتأهيل البُنية التحية وخلق فرص العمل والاستثمار.
لا نُريدُ الخوض في الحديث عن محاسبة مَنْ كان صاحب القرار في إقامة "السجن" في ارميمين، فقد ضاع من الوقت والفرصِ ما يكفي، ولكن المأمولُ هو أن يجري تصويب المخالفات القانونية، والرجوع عن الخطأ، وتغيير مكان السجنِ ونقله إلى مكانٍ آخر بعيد عن مصادر المياه، والغابات؛ فمرفقٌ من هذا النوع يكونُ من الخطأ إقامته في مناطق حضرية أو ريفية، بل يجب جعلُه في مكانٍ ناءٍ من أمكن، ليكون بالإمكان الاستفادة من مرافق ونزلاء في إحداث بؤرةٍ تنمويةٍ تعود بالخير على البيئة والمجتمع والدولة. وهو أمرٌ ضروريٌّ وممكنٌ إذا صحّت العزائم والنوايا.