زاد الاردن الاخباري -
لم يمنحه الله البصر، لكن منحه البصيرة النافذة التي جعلته على رأس العاملين في مهنة الميكانيكا بسوريا، الأمر الذي دفع بكثير من أصحاب السيارات إلى الاعتماد على مهارته في إصلاح أعطالهم على مدار خمسين عاما.
مهارة "هاشم النعسان" الشهير بعم "أبو صبحي" المقيم بمدينة دوما قرب دمشق لم تتوقف عند هذا الحد، فقد تحول إلى منقذ لزملائه ولمهندسين متخصصين في نفس المهنة، عندما كانوا يعجزون عن إصلاح عطل ما، ليتمكَّن هو بمجرد سماع صوت المحرك وتلمسه من معرفة الداء ووصف الدواء.
وفي تصريحات لمجلة "هيا mbc" قال النعسان: "إن مهنة الميكانيكا تشبه تعلم الأبجدية التي تخولنا أن نركب من 28 حرفا كلمات لا تحصر ولا تعد؛ لذا عندما يحفظ المرء الأساسيات والأجزاء وعمل كل منها يكون قد أتم قواعد المهنة".
وبموجب تلك القناعة لم يعجز "أبو صبحي" بفضل الله يوما عن إصلاح أي محرك، والطريف في الأمر أن الرجل يتقن أسماء القطع والمفكات التي يستعملها باللغتين الإنجليزية والألمانية، إضافة إلى العربية، على رغم أنه لم يلتحق بالمدرسة.
وفي هذا الصدد، أوضح أن بعض الجهات الرسمية تستعين به لإصلاح بعض المركبات الكبيرة، لا سيما عندما يعجز مهندسوهم عن إصلاحها.
مشوار حياة
وعن مشوار حياته قال النعسان -في تصريحات صحفية سابقة-: "فقدت بصري وأنا في التاسعة من عمري إثر مرض ألمّ بي وكنت في هذه الأثناء مولعاً بالميكانيكا واهتمامي بمحركات ضخ المياه في الأراضي الزراعية، وفي هذه السن أدركت قدري أن أكون أعمى لكن عليّ العمل دون أن أنتظر مساعدة أحد".
وبالفعل استطاع عم "أبو صبحي" أن يطور نفسه في هذا المجال بشكل كبير، موضحا أنه أصلح مختلف أنواع المحركات؛ ديزل، بنزين، كبير، صغير، تبريد، محرك بحري، بري، "كلها أعرف إصلاحها وسبق أن مرَّت عليَّ، كما أنني أستطيع أن أصلح المحركات القديمة التي لا يعرفها الجيل الحالي، ولم يعاصرها".
وعن تفسيره لهذه المهارة التي اكتسبها في مهنته قال: "عندما يعطي الله لا يُسأل"، موضحا أنه اليوم وبفضل أمانته ومحبة الناس له اكتسب شعبية كبيرة وشهرة كبيرة دفعت كثيرين ومن مختلف المحافظات السورية إلى التعامل معه.
وتابع قائلا: "أنا لا أستطيع أن أردَّ أيَّ أحد يطلب مساعدتي، حتى لو كنت متعبا أو جائعا، وحتى إن لم يقدِّم لي أجري كاملا، أو يمنحني أيَّ أجر".
وشدد على أنه "مصمم على الاستمرار في الحياة والعطاء، وأن الحواس قد تخطئ أو تنهزم ولكن الأبقى والأقوى أن لا يتراجع الإنسان أبدا عن هدفه، فالحياة كتاب كفاح، ودائرة اختبار، فإما أن يثبت الإنسان ويفرض نفسه على المجتمع فرضا بعمله وعرقه، وإلا سيبتلعه تيار الزمن الذي لا يرحم، وتذيب شخصيته رحى الطغيان".
سرعة في الأداء
وعن رأي الآخرين في مهارة النعسان ينقلها المواطن بشير ريبة، وهو أحد زبائنه منذ 50 عاما، في قوله: "إن أكثر ما يلفت النظر في العم النعسان هو أنه سريع في عمله، وهو لا يكرر التصليح مرات عدة ولا يتردد في تحديد مكان العطل على الفور؛ إذ يكفي أن يفحص محرك السيارة وأن يسمع صوته حتى يحدد مكان الخلل كما أنه يتميز بقدرته على تصليح المحركات الكبيرة".
وأشار إلى أنه لم يتعامل يوما مع ميكانيكي آخر، وأنه لا يجد مشكلة في فقدان أبو صبحي لبصره الذي طور نفسه بنفسه ويعمل بجهد كبير في أي وقت من اليوم ويلبي زبائنه في النهار كما في الليل، وهذه ميزة تحسب له وتميزه عن الآخرين.
ولم تقف المهنة في عائلة النعسان عند عم أبو صبحي فعلمها أولاده جميعا وبدقة كبيرة، حتى أنه يصحح لهم أخطاءهم فأصبحوا -على حد قوله- من خيرة الميكانيكيين، لكنه يقر بأنه يشعر أحيانا بأنهم ما زالوا بحاجة إلى معرفة الكثير في مجال إصلاح السيارات والدرجات النارية.
mbc