منذ ان بدأ الخريف العربي الذي انطلقت شعلته الأولى من تونس وكل دولة من الدول تقول عن نفسها ان انها ليست كالدولة الفلانية وان ربيعها سيمر اخضرأ ومايلبث ان ينقلب احمرا وتستباح به الدماء والاعراض الى ان انتهى المسلسل بالقرب من الدولة الجارة سوريا التي كان نظامها يعتقد انه مختلفا وانه لن يكون كباقي دول المنطقة الى ان اشتعلت سوريا بين ليلة وضحاها دون ان يعرف نظامها السياسي او حتى شعبها كيف بدأت الثورة وكيف ستنتهي.
الملاحظ ان جميع الثورات في كل الدول العربية كانت لها نفس المطالب وهي الحرية والعدالة الاجتماعية ومحاربة الفساد وتأسيس انظمة تقوم على الديموقراطية وتداول السلطة الى ان ابتليت تلك الدول بأنظمة لاتقل سطوة وفساد وتعطش للسلطة عن الانظمة السابقة، وظهر هناك من اختطف تلك الثورات وتربع على عروش السلطة في غفلة من الثوار حتى انك لن تجد نموذجا واحدا ناجحا في كل دول الخريف العربي.
في الاردن بدأ الامر مختلف قليلا فقد بدأ الحراك حراكا مقلدا وممثلا لما حصل في تلك الدول وعلى نظام النسخ واللصق فقد مرت البلاد بموجة من الاعتصامات التي تطالب بمكتسبات شخصية مثل زيادة الاجور حتى بدت الحكومات تدفع بسخاء للمعتصمين وعلى نظام (التسليكة) حتى تبعدهم عن الشارع دون تخطيط او مراعاة لخزينة الدولة واظنها نجحت في هذا المجال وعلى حساب مديونية تجاوزت الحد المسموح به بالاضافة الى التعامل مع الشارع والحراكات بحركات اتسمت بين الكر والفر الى ان تجاوزت تلك الحراكات كل السقوف التي عجزت معها الحكومات عن السيطرة على الوضع الذي اصبح قابلا للانفلات في اية لحظة فهناك من جرب الشارع لتازيم الموقف ولكنه فشل امام ارادة الاردنيين ووعيهم وعلى نظام العاقل من يتعظ بغيره فتحولت تلك الايادي ان صح التعبير الى الجامعات لعلها تكون نقطة بدء الشرارة ولكن وللمرة الثانية نجح الاردنيون من باب حرصهم على وطنهم من تجاوز هذه المحنة بأقل الخسائر فقد تداعى كل الحريصين على أمن الوطن واستقراره الى الجنوب الذي لاتقل عشائره حرصا على الوطن لوأد الفتنة قبل ان تولد ونجحوا في ذلك معتبرين ان الوطن اكبر حتى من ابنائهم الذين قضوا في تلك الموجة من العنف الجامعي.
والان على مايبدو اننا عدنا الى المربع الاول فهذا اعتصام يشل دار القضاء وذاك يشل دار التمريض وآخر يشل بعض الجامعات ولم يبقى امامنا الا الاعتصامات المنزلية على نوعية البهارات واسماء الطبخات والمطالبة بتغييرها، اما بالنسبة للوطن فليذهب الى الجحيم.
الان وبعد نفاذ كل الفرص بات جلاة الملك مطالبا وأكثر من اي وقت مضى ان يتدخل شخصيا لينهي هذه السجالات والمناكفات فالفرصة الاخيرة هي بيده شخصيا حتى يقطع الطريق على كل عابث وحاقد فالمطلوب خطوات جدية وحازمة حتى يربح الملك وينهي كل اشكال العبث وعندها سيجد ان الاردنيين سيربطون الاحزمة على بطونهم ويشدونها جيدا للحفاظ على وطنهم، فعلى جلالة الملك ان يبدا بحاشيته التي تصور له ان مايجري هو وضع طبيعي ولن يصل الى حد المطالبة باسقاط النظام لاسمح الله فالخطوة الاولى تبدأ من هناك ولا بد للملك ان يخلع من عهدته كل تلك الوجوه ويستبدلها بوجوه اردنية صادقة تصدقه القول في كل شاردة وواردة ومن ثم يبدا بالحكومة ويقيلها فهي حكومة بائسة تتخبط وغير قادرة على احداث اي تغيير من شانه ان يطمئن الاردنيين على مستقبلهم ونفس الخطوة يجب ان يتخذها الملك في حق مجلس النواب المطلوب نصف اعضاؤه الان للقضاء بقضايا مختلقه فهو مجلس عاجز بكل ماتعنيه الكلمة عن احداث اي تغيير وهو لايتعدى كونه مجلس نصف اعضائه مستوزرين والنصف الآخر يبحث عن قواعد شعبية مستقبلية وكله على حساب الوطن, المطلوب ايضا من جلالة الملك والذي قال دائما انه لاحصانة لفاسد وان الجميع تحت القانون عليه ان يبدأ وفورا بتقديم هؤلاء للقضاء وأن يلغي من الشارع جملة ان الفاسدين هم بحماية القصر وانه صعب الوصول اليهم, والمطلوب من جلالة الملك ان يعيد النظر بكل اتفاقيات مايسمى بالتحول الاقتصادي تلك الكذبة التي اخترعها مهندسين من اللصوص والبهلوانات لبيع مقدرات الوطن والمتاجرة بقوت الشعب والمطلوب من جلالة الملك ان يشرف بنفسه على رعاية شؤون البلاد وهدم الفجوة وعدم الثقة التي خلقتها الحكومات المتلاحقة بين الشعب والنظام والمطلوب من جلالة الملك ان يصارح شعبه وبكل شفافية عن كل صغيرة وكبيرة وان يبدأ فورا بصياغة قانون انتخابي عصري ينسجم مع تطلعات الاردنيين بكافة شرائحهم الى ان يفضي الى حكومات برلمانية تستطيع قيادة البلاد وتسمح للمعارضة ان تتقدم ببرامجها التي اقلقتنا بها لمدة عامين لنرى على الارض مايمكن للمعارضة فعله وحينها فقط سيجد ان الاردنيين وكما عهدهم جنودا اوفياء مستعدين لشد احزمتهم حتى تصل الى العظم.
هلال العجارمه
helalajarmeh@yahoo.com