كرت المؤن شيك الراتب ، جواز السفر ، هوية اللاجيء الصادرة من الاحتلال مبروك تحمل رقما في هيئة الأمم المتحدة ، ويا نيال من سجّل عشرة أنفار من عائلته في كرت المؤن ، بجانب كوشان الدار ومفتاح الحج وبعض صور العم والخال بالأبيض والسود الملتقطة في ساحات الأقصى داخل صندوق مهتريء تلفه كوفية قديمة تحت أغطية النوم فوق رف الخزانة تجد كرت المؤن في الحفظ والصون بجلدته الشفافة ، مفهوم مرير ضمن قائمة مفاهيم المرارة التي يعجّ بها قاموس النكبة الطويل ، الذي فرض على العديد من اللاجئين السخرية من هذا الواقع بإطلاق عبارات منها " لولا الله .. ثم كرت المؤن " أو " ما إلنا غير الله .. ثم كرت المؤن " ، تحملهم إلى عبق تلك الخيام التي نُصبت بهدف مؤقت حيث كان يُعتقد ماهي إلا أسابيع ويعود المهاجر إلى فلسطين لكن طالت غيبة الطيور وأصبحت الخيام منازل طوب وحجر وشوارع تحمل اسم قرى المهجرين ومدنهم المحتلة وهناك تجد على جدران المخيم عبارات تنتزع الأمل من جذور المأساة " عائدون " ، " راجعين " بلون أحمر أو أخضر فكلاهما فوق تراب البلاد امتزجا بدم الشهيد الذي اعتصرته بنادق الاحتلال في زيتون الأرض ، نعم " البلاد " ذاك المصطلح الذي يعني كل شيء قبل 48 يعني أنهار العسل ، بيارات البرتقال ، سمك البحر تعليلة السمر ، و تكبيرات العيد في المسجد الأقصى المبارك ، " بس شبر في فلسطين أندفن فيه " عبارة ترددها شفاه تذكر تفاصيل شوارع يافا وتقسم برب تراب البيدر ، ومع مرور الزمن تعتقد بأن المسافة بين الهجرة والعودة سوف تقصُر تدريجيا كفيلم آكشن ينتهي بمشهد سحق الظالم وانتصار المظلوم وأن صفحات النكبة والنكسة ستطوى ليصبح كرت المؤن طابعا أثريا وبطاقة تعريفية بحقبة مضت في المتاحف ولن يخطر ببال أكثر المخرجين تشاؤما بأن عام 2010 سيحمل نكبة جديدة لتهجير قرابة 70 ألف فلسطيني وحتى يحمل الفيلم طابع السخرية يأتي إعلان رئيس الوزراء الفلسطيني بأن عام 2011 عام إقامة الدولة الفلسطينية لتقف مدهوشا بشأن قارة رام الله الواقعة أقاصي أراضي الكامتشا ، ويلوح في ذهني مشهد المناضل أبوصالح في مسلسل التغريبة الذي مدّد جسده فوق أرض باب المخيم في هجرة 67 طالبا من كل من يريد الهجرة مجددا أن يدوس على جسده ثم يهاجر ، كذا الطريق الممتد من 1948 إلى 2010 ذو الطول الزمني 62 عاما ذو آلآف وآلآف جثث وأشلاء الشهداء وشهور وسنوات الأسر فأي حماقة تخللها قرار عسكري صهيوني يعيد الزمن إلى وتد الخيمة وطوابير السكر والأرز ، من يظن الزمن يعيد نفسه فهو واهم تلك عبارة يتقنها من يكرر أخطاءه ، فوجه النكبة تغيّر بعد الانتفاضة الأولى وتشوهت كافة معالم الهجرة بعد الانتفاضة الثانية وأصبح الصمود في الأرض والتمسك بحق العودة معالم الزمن الحالي بعد حرب غزة الأخيرة ، فطيور 48 المهاجرة غدت نسور العودة وإن أعياها المشيب " فلولا الله ثم المقاومة لبقي كرت المؤن لنا هوية " .
بقلم . فدوى ابراهيم