حصرياً, وفي أرقى أحياء عمان الغربية, شَـليّة غنم ( قطيع ) تعبر الشارع : كلب حذر عنيف, بضع خراف, ثلاثة, أربعة, عشرة, ماعز سوداء, أبيض, أسود, كلب...إثنان, ثلاثة, اربعة, أسود, أبيض, راعي غنم ملثـّم... هي فتاة, أخت رجال, أسود, أبيض, كلب هرم, انتهى المشهد, كرات سوداء على "الإسفلت" سرعان ما تختفي تحت عجلات السيارات التي ضاقت بالانتظار, وسرعان ما تختفي الرائحة.
بعدها بلحظات, وفي ذات الحي الجميل, شاب مفتول العضلات, رجل مهيب أو سيدة شقراء, مسحوبون, كلبان أسودان, كبيران, وكلب أبيض, انتهى المشهد. تعتدل أعناق السائقين الناظرين, ثم يمضون في طريقهم راشدين.
أنا متأكد أن كل مُشاهد كريم ( وقارئ عزيز ) سيكوّن انطباعاته الخاصة لكل مشهد, وسينقسم الناس إلى أربعة أصناف: منزعج من المشهد الأول والثاني, منسجم مع الأول ناقم على الثاني, مستاء من الأول مستأنس بالثاني, منفرج الأسارير للأول والثاني.
وعلى اعتبار أنني صاحب المقال وناقل الصورة فإنه يحق لي أن أبدأ بالتعليق وأعبر لكم عن المشاعر التي تشتعل في قلبي كلما لاح لي المشهد الأول (الراعي والغنم والكلاب ), فأجد نفسي مبتهجاً مبتسماً, أعطي أولوية المرور للقطيع المنتج للحوم الحمراء, وأحيي باحترام قائد القطيع وراعي المسيرة البلدية, لم لا, فأنا أُعدّ من طبقة " البلوريتاريا " الكادحة, وصاحب أسبقية في الدراسة الزراعية, وسبق لي أن سرت لردح ٍ من الزمان على خطى الأنبياء خير الأنام, على اعتبار أنه " ما من نبي إلا ورعى الغنم".
على النقيض في المشهد الثاني (الراعي والكلاب), فلا والله لا عذر لهم عندي, ولا شفقة مني ولا تقدير. وأراهم يجسدون حديث المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام: "...حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم" في حديث طويل صحيح للبخاري عن مبلغ تردي الأمة بحيث تتبع وتـُقلد ما تفعله الأمم المسيطرة " شبراً بشبر".
هذه الكلاب " الذوات" متطلباتها أيضاً مرهقة, ورحلة تغيير الجو اليومية التي تفرضها على أصحابها، فترى أناساً بهم من الفخامة ما بهم ولهم من التاريخ المجيد والشهرة البراقة ما لهم ويسحب الواحدَ منهم كلبٌ مستوردٌ أو إثنان، يجتهد في انسحابه هذا أن لا تقع عينه في عيون الناس, ماذا يقول لهم؟ أيقول: هذا أحد أبنائي! أم أهم إنجازاتي؟!
وأخيراً, أسوق لكم هذه المعلومة الإحصائية المبسطة, يحتاج الكلب المرفـّه ( من فصيلة الذوات ) إلى كيلوغرام واحد من اللحوم الحمراء يومياً, ولإنتاج كيلوغرام من اللحم فإن الخروف ( البلدي) يحتاج أن يرعى ويستهلك كمية من الأعشاب تزيد عن ما ينبت في دونم واحد من الأراضي الفارغة والواقعة بين الفلل والقصور في عمان الغربية, أي أن استهلاك الكلب الواحد في العام يساوي سبعة خراف تقريباً أو ما يعادل مساحة مئات الدونُمات الخضراء العشبية الجميلة في عمان الغربية.
ربط عجيب؛ لذلك إن أولى الناس وأجدرهم بالمحافظة على المشهد البلدي الأول هم أصحاب المشهد الغربي الثاني (كانوا من الصنف الثالث وأصبحوا من الرابع). أما أنا وأنت فلا يسعنا أخي المواطن إلا أن نقول : عاش الاسترالي, عاش النيوزلندي , عاش , عاش , عاش.