على متن الطائرة درجة ركوب المسافر تعكس الكثير من المعاني، فهذا غني وذاك معتدل الدخل، وعند ارتفاع درجة حرارة الإنسان أو انخفاضها فالدرجة تعني الحياة أو الموت، وعند صدور نتائج الثانوية العامة فالدرجة وعشرها تقرر مستقبل الطالب الدراسي والعملي، وعند وقوع زلزال فدرجته تعني الدمار أو "مرّ بسلام"، وفي حالات التأهب التي تعلنها الحكومات فدرجتها تعكس مدى الخطورة التي يتعرض لها البلد ككل، وعند وقوع الحروق درجتها تعني تشوّها أو بضع رتوش، لكن لم أفهم تقسيم الإنسان لدرجات تبعا لمواطنته فهل يمكن أن يكون الشخص مواطنا ونص أو مواطنا أو نص مواطن؟! ولا أدري لأي تعريف مواطنة يتبع ذاك التقسيم هل للتعريف القومي أو الحزبي أو العشائري أو تبعا للجنس ذكرا أو أنثى أو للمعيار الاقتصادي، فما هي درجات المواطن؟! وفقا للمادة السادسة من الدستور الأردني " الأردنيون أمام القانون سواء لا تمييز بينهم في الحقوق والواجبات وإن اختلفوا في العرق أو اللغة أو الدين "، وتتبعها المادة السابعة لتؤكد بأن " الدولة تكفل العمل والتعليم ضمن حدود امكانياتها وتكفل الطمأنينة وتكافؤ الفرص لجميع الأردنيين "، أما المادة التاسعة فتنص بوضوح " لا يجوز إبعاد أردني من ديار المملكة " ، لذا تجد دستورنا الأردني لم يعترف بتقسيم المواطن الأردني إلى درجات، فالفلاح الذي بساعده اخضرت أرض الأردن مواطن، و عامل المصنع الذي صهر الحديد ليدفع بعجلة اقتصاد الأردن مواطن، والذي شيّد المباني حتى حفظت أكتافه خطوط أكياس الإسمنت مواطن، والذي واجه الليل ببريق عيني الأسد على ثغور الأردن مواطن، والذي سطّر على لوح الصف تاريخ استقلال الأردن مواطن، والذي صوّت لإضافة البتراء إلى قائمة عجائب الدنيا مواطن، والذي انفطر قلبه على ضحايا العملية الإرهابية المشؤومة في فنادق الأردن مواطن، والذي يستطيب بعزومة منسف ويردها بعزومة مسخن أيضا مواطن، أما دين العدل المطلق دين ( إنما المؤمنون اخوة ) فقد اعترف بالدرجات بمعنى متفرد لم يسبقه إليه أحد حيث جلّ في علاه قال: " يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات"، فالجنة درجات أعلاها الفردوس الأعلى وهو تحت عرش الرحمن وأدناها من كان له ملك مثل عشرة أمثال أغنى ملوك الدنيا، فهذه الدرجات الوحيدة الني نعترف بها بل ونسعى إليها ونغترف من نور طاعاتنا جسرا يوصلنا إليها، فلماذا نحاصر أنفسنا بسياج تقسيمات دنيوية تفتت نسيج وطن غال عليك وعلي، نفتديه بذرات الروح بل بفلذات الأكباد قبل أن ينادي علينا، فأنا مثلك نشمي، فلا تختم على جبيني درجة في الوقت الذي نرفع من جسدي وجسدك لرفعة الأردن سلما.
المهندس هشام خريسات