تقول القصة المتداولة أن أباً قد سافر تاركا زوجته وولدان وبنت، وعندما أرسل الأب رسالته الأولى لم يفتحوها ليقرؤوا ما بها بل أخذوا يُقبّلونها ثم وضعوها في علبة فاخرة ... وهكذا فعلوا مع كل رسالة أرسلها أبوهم، ومضت السنين وعاد الأب ليجد أسرته لم يبقى منها إلا ابنا واحدا فقط فسأله الأب : أين أمك؟؟...
فقال الإبن : لقد أصابها مرض شديد, ولم يكن معنا مالا لننفق على علاجها فماتت ...
الأب: لماذا؟ ألم تفتحوا الرسالة الأولى لقد أرسلت لكم فيها مبلغا كبيرا من المال؟!
الإبن : لا.
الأب : أين أخوك؟؟.
الإبن: لقد تعرف على بعض رفاق السوء وبعد موت أمي لم يجد من ينصحه ويُقومه فذهب معهم.
الأب متعجبا : لماذا؟ ألم يقرأ الرسالة التي طلبت منه فيها أن يبتعد عن رفقاء السوء وأن يأتي إليّ.
الإبن : لا.
الأب :لا حول ولا قوة إلا بالله ... وأين أختك؟
الإبن : لقد تزوجت ذلك الشاب الذي أرسلت تستشيرك في زواجها منه وهى تعيسة معه أشد تعاسة.
الأب ثائرا : ألم تقرأ هي الأخرى الرسالة التي أخبرها فيها بسوء سمعة وسلوك هذا الشاب ورفضي لهذا الزواج.
الإبن: لا لقد احتفظنا بتلك الرسائل في تلك العلبة الفاخرة دون فتحها أو معرفة أهميتها بالنسبة لنا.
في بلدنا تجاهل المسؤولين كل الرسائل الودية والإحتجاجات الشعبية والمسيرات الأسبوعية وحاولوا أشعارنا أنهم قد استقبلوا الرسائل وعاملوها بإحترام وقبلوها أمامنا قبل أن يلقون بها من نوافذ عقولهم قبل نوافد سياراتهم الفارهة ... هم في الواقع لا يريدون إلا قراءة الرسائل التي تروق لهم حتى ولو كتبوها بأيديهم أو أملوا على أتباعهم و "بصيمتهم" أن يرسلوا بها أمام الآخرين مع أنهم يدركون تماما أهمية الرسائل الحقيقية ولكن الأهم بالنسبة لهم هو الكرسي والسيارة والجواز الأحمر والتقاعد المنتفخ ... فحال البلد أصبح كحال تلك الأسرة فقد أدخل الشباب في دوامة العنف والفراغ والبطالة والفقر ...
وأدخلت البلد في علاقات لا نعرف فائدتها أو جدواها ... وخسرت الكثير من سمعتها بسبب تجاهل كل الرسائل سواء المرسلة محليا أو إقليميا أو دوليا ... تركوا الدراسات التي تتحدث عن وجود النفط والغاز والنحاس واليورانيوم والصخر الزيتي وراحوا يحسبون غرامات الخبز التي يستهلكها المواطن الفقير بعد أن أحصوا عليه لترات الكاز والسولار والبنزين و"واطات" الكهرباء ولم يتبقى إلا أن يضعوا عدادات على الأنوف لمحاسبة فقراء الشعب على النفس.
السعيد والكيس والفطن من اعتبر بغيره ... لهذا يجب أخذ الدروس والعبر وقراءة الرسائل المهمة وغير المهمة في هذا الوقت الحرج قبل فوات الأوان حتى لا نغدو كالمدرب الفاشل الذي أدخل أهم لاعب في الفريق بعد إنتهاء المباراة متجاهلا كل رسائل ونداءات وصرخات ووقفات الجماهير التي طالبت به قبل وأثناء المباراة وكانت النتيجة الخسارة للجميع.