قبل أربعون عاما من الآن كان الجيشان المصري والسوري تحارب اليهود في سيناء والجولان .. حربا شعر معها الإنسان العربي بالعزة والفخار .. حربا أرجعت شيئا ولو قليلا من الأرض العربية ولكنها أرجعت الكثير من الكرامة للعرب .. حربا بغض النظر عن المقولات الكثيرة حولها إلا أنها كانت الحرب الوحيدة التي " شعر " فيها العرب بالنصر ..
وبعد أربعين عاما , لا زال هذان الجيشان العربيان في ساحة المعركة , ولكنهما في هذه المرة لا يحاربون اليهود ولا يوجهون أسلحتهو نحو الصهاينة , ولا تسرح دباباتهم في شوارع تل أبيب , ولا تغير طائراتهم على مدن الصهاينة .. هذه المرة وبعد أربعين عاما يقف الجيشان في مواجهة شعوبهم , وتسرح الدبابات في شوارع دمشق والقاهرة , وتغير الطائرات على مواقع داخل الوطن الواحد من أجل قتل الشعوب ..
بعد أربعين عاما من حرب رمضان المجيدة , يأتي إلينا أوكتوبر في ثوب أسود جديد .. الآلاف سقطوا قتلى وجرحى في دمشق والقاهرة ... إنقسم الشعب بين مؤيد لحاكم ومؤيد لثائر أو معارض .. كل, له حجته واسبابه ومفهومه .. كل يظن أنه على حق وأن الآخر ظالم وعميل وخائن .. وفي كل يوم يسقط قتلى وجرحى بل عشرات القتلى والجرحى , وليس هناك أفق وأمل في مستقبل قريب مشرق .
في دمشق والقاهرة , جميع الأطراف مخطئة , وجميع الاطراف تبحث عن السلطة , وآخر ما يفكرون فيه هو الوطن أو الشعب , وليس مهما لهم كم من القتلى سيسقط يوميا ...قال لي أحد الأطباء الذين يعملون في علاج الجرحى في سوريا أنه خلال محادثات مع أحد المنظمات التي تحارب في شمال سوريا وعندما سأله المقاوم : لماذا تريدون أن تأتوا إلى هنا !! فأجابه الطبيب : لنعالجكم من الإصابات .. فاجاب المقاتل : نحن أتينا هنا لنموت ونستشهد ولا حاجة لنا بكم أو إليكم فانصرفوا .
التاريخ العربي مر في فترات وعصور مظلمة , بل ومؤلمة , ولا أدري إن كان التاريخ العربي قد مر في ظروف بهذا الإنحطاط , ومع ذلك هناك من يسمي هذه الفترة ب " الربيع " ..كنت أعرف عن الربيع صفات أخرى , ولكن البعض جعلنا فعلا بحاجة إلى قراءة العربية وفهم معانيها من جديد .. نحن نعلم أن اللغة العربية بها متناقضات ولكن ليس إلى هذه الدرجة , صحيح أن الرئيس " مبارك" لم يباركه الله في يوم من الأيام , والأسد لم يكن في يوم أسدا على إسرائيل بل كان أسدا على شعبه والشعب اللبناني فقط , وعلي عبدالهل " صالح" لم يكن صالحا في يوم من الأيام ..وزين الدين التونسي ليس له علاقة بالزين أو بالدين من قريب أو بعيد ..ولا ننسى " معمر " في ليبيا فهو لم يعمر شيئا وإنما دمر وخرب كل شيئ .وهذا يوضح لنا أن اللغة العربية فضفاضة وأن المعاني فيها لا تنطبق على واقع الأمور ..
بعد أربعين عاما من حرب أكتوبر المجيدة التي قادها الجيشان المصري والسوري , نجد نفس الجيوش تخوض حروبا مخزية ضد شعوبها , فهذه الجيوش تم صناعتها من اجل حكامها وليس من أجل بلادها ..ولا أدري لماذا أشعر الآن ,أن حرب أكتوبر التي بدأت قبل أربعين سنة وانهزم فيها الصهاينة تنتهي الآن بتفكيك الدول العربية التي هزمتها وتفكيك أسلحتها برضاها وتحويل السلاح لقتل شعوبها وإسرائيل تتفرج .... والله الموفق .
د . معن سعيد
7 – 10 - 2013