قبل ما يزيد عن أسبوعين، وبحسب مؤشر معهد ليجاتوم البريطاني للدراسات، نُشر خبر، يشير إلى تراجع ترتيب التعليم بالأردن على المستوى العالم من المرتبة 45 عام 2011، إلى المرتبة 53 عام 2012، ليصبح في المرتبة 64 خلال هذا العام.
وقال المعهد إنه اعتمد على معدلات الالتحاق بالتعليم الثانوي، والارتياح لجودة التعليم، ومعدل إدراك الاطفال لما يتعلموه، لتصنيف الدول التي يرصدها المؤشر، وهي 142 دولة على مستوى العالم. ونوه المعهد إنه اعتمد على أرقام معهد غالوب العالمي للإستطلاع، لتصنيف الدول.
الخبر أعلاه نشر بتاريخ 8/11/2013، وحتى اللحظة لم نقرأ رداً أو تعليقاً أو توضيحاً أو تفسيراً أو حتى نفياً من أي مصدر مسؤول أو غير مسؤول في وزارة التربية والتعليم. لم يحرك أي مسؤول ساكناً، ولم يرف لأحد منهم جفن، لم يتمعر وجه أحد منهم غضباً ابتداءً بوزير التربية وليس انتهاء بمديري التربية والتعليم، وكأن الخبر لا يعني أحداً منهم، ولا يتعلق بالتعليم في الأردن، ولا يعلن عن كارثة محققة تهدد الجيل، وبالتالي الوطن برمته.
كنت أظن –وبعض الظن إثم- أن الخبر سيحدث زلزالاً في وزارة التربية والتعليم على الأقل، وسيؤدي لا محالة لإعلان حالة الطوارئ، ومحاسبة جميع المسؤولين الكبار، ولا أقل من إستقالة وزير التربية اعترافاً بالمسؤولية الأخلاقية، حتى وإن كانت المحصلة نتيجة تراكمية لقافلة من الوزراء والمسؤولين لا عد لهم ولا حصر.
عجيب وصادم ما يحدث في وزارة التربية والتعليم، ومعيب حتى الفجيعة صمتها وصممها، وكأنها وزارة لكل شيء إلا للتربية والتعليم. وأكاد أقسم أن هذا التراجع المخزي لو حصل في دولة تقدر مواطنيها وتهتم بأمر التعليم لسقطت الحكومة وحل البرلمان، وربما أعلنت الدولة منطقة كوارث.
لا تحملوا مسؤولية الكارثة للمعلمين، فهم الحلقة الأضعف، ولا للمناهج فهي وسيلة لا غير، ولا للإدارات المدرسية فهي نتاج واقعي لجهود الوزارة، ولا لمديري التربية فهم اختيار عباقرة الوزارة وقياديها العظام. المسؤولية ضائعة يتهرب منها الجميع دون استثناء بإلقاء اللوم على الآخرين أو الظروف أو الإمكانيات أو حتى الجن الأزرق، ولا أحد مطلقاً يعترف ولو مجاملة أنه يتحمل جزءاً من الكارثة.
وزارة التربية والتعليم تحولت في السنوات الأخيرة إلى وزارة للتدريب، ولو أن كل مشاريع التطوير والتدريب والتأهيل والدورات التي لا نهاية لها، والمسابقات الدولية والوفود والمبادرات كانت في دولة من العصر الحجري لتفوقت على اليابان، ولكننا هنا نتراجع، وليس لهذا إلا تفسير واحد أنه لا يمكن التغيير بنفس العقليات القديمة التي لا يربطها بالتربية والتعليم إلا رواتبها ومكافآتها ومياوماتها الداخلية والخارجية. أو تفسير آخر وهو المرجح أن مشكلة التربية والتعليم في الأردن مرهونة بقرار سياسي، لا يريد أي تقدم حقيقي للتعليم، ولا ارتقاء فعلي للتربية والقيم والأخلاق، وكل ما يحدث من فزعات ومبادرات ومشاريع ليس إلا لذر الرماد في العيون، وحجب الحقيقة المؤلمة، والأهم بالطبع هو سياسة التنفيع والتكويش، فلكل نصيب من كعكعة التدريب والسفرات والمياومات، ولا يصل الميدان الحقيقي إلا الفتات، ثم يطالبونه بكل شيء، ويحملونه مسؤولية كل شيء، وهم يعلمون أنهم الكارثة وأنهم الداء والوباء.
وبعد، فمتى يمتلك البعض الجرأة، ويعترفوا بحجم الخسارة والتدهور الذي يتعرض له التعليم في الأردن، ويضعوا أصابعهم على الجرح، ويوقفوا سيل المهازل، قبل أن نصل إلى الحضيض. فالسقوط سهل، ولكن الصعود عندها قد يكون مستحيلاً!