زاد الاردن الاخباري -
هل بدأ التاريخ بالاندثار? ام انها حالة تردي وضع ابناء هذا الجيل الثقافي العام? وكلاهما اسوأ وأمَرّ من الاخر, فمن يجهل تاريخ نكبة الوطن العربي, في 15 ايار 1948 ونكسته في 5 حزيران عام ,1967 فكلها كوارث تثقل كاهل التاريخ العربي, وما زالت اثارها واضحة حتى اللحظة, والادهى من هذا ان الجيل الصاعد يجهل تواريخ بلده الام, فعندما سألنا عن تاريخ الاستقلال الابي للاردن تحير الكثيرون وتلعثم الاكثر, فمنهم من حاول ان يخترع تاريخا ومنهم من اراد إلقاء اللوم على الثقافة المجتمعية بانها لا تحيي هذه التواريخ الا في آنها فقط, وكأننا بحاجة لمن يذكرنا بتاريخ مولدنا, وحاولنا ان نعود معهم بالذاكرة الى الصفوف لنعلم منهم تاريخ الثورة العربية الكبرى, وهو ذات اليوم الذي تحتفل به المملكة بيوم الجيش ولكن لا حياة لمن تنادي.
حاولنا ان نذكر التاريخ بحثا عن اجابة, بدلا من السؤال عن تاريخ الحدث فقلنا 25 ايار 1946 هو تاريخ ماذا? فاحتار الطلاب ملتفتين الى المجموعة المحيطة بهم بحثا عن تغشيش كما لو اننا في امتحان الثانوية العامة, لم نيأس, كررنا المحاولة بحثا عن اجابة بين اروقة الجامعة الاردنية ومباني الجامعة الهاشمية لتاريخ 10/6/1916 وكأننا نبحث عن ابرة في كومة قش وهو ما صدمنا كثيرا.
قامت "العرب اليوم" بالتوجه الى طلاب جالسين في كافتيريا الجامعة الهاشمية وسألت احدهم عن هذه المناسبات الوطنية وباضطراب شديد وصمت التفت الى رفاقه منتظرا منهم الاجابة, وبعد برهة قال "لا اعرف" ليقفز احد الاصدقاء الجالسين الى جانبه ليقول 25 ايار عيد الاستقلال -مما اثلج قلوبنا- واضاف هو يوم عطلة وقد سمعنا ان هناك احتفالات للجامعة بهذه المناسبة" لنعود بعد هذا الجواب الى حالة الصدمة الاولى, لان الجواب ليس لانه يعلم هذا التاريخ الذي خلده الوطن بل لانه سمع ان الجامعات والدوائر الرسمية ستعطل, وستحتفل الجامعة بهذه المناسبة والى طاولة مجاورة في الكافتيريا يجلس شاب يقرأ في كتاب فسألناه فأجاب اظن ان هناك مناسبة وطنية في 25 ايار لكن لا اعلمها بالتحديد, وحاولنا بتارخ اخر فأجاب "من الممكن ان تضحكوا لان 10 حزيران هو عيد ميلاد صديقي وبصراحة انا لا احب التاريخ", وفي نهاية اللقاء اوعز له الفضول ان يعرف عما سألناه منتظرا منا الاجابة وعندما علم احمر وجهه خجلا بسبب جهله اهم المناسبات الوطنية.
وهربا من حر الصيف الشديد وصدمة الاجابات زارت "العرب اليوم" طلبة الجامعة الاردنية, وعلى مدخل المكتبة التقت معاذ فسألته وقال "هذه التواريخ اقرب ما تكون مرتبطة بشكل مباشر بالجيش فهم اكثر دراية بها, اما الشريحة الاغلب فهي ايام احتفالات او عطلة رسمية", اما عبدالرحيم فأجاب بسهولة عن تواريخ النكبة والنكسة ولكنه تلعثم عن تواريخ الثورة العربية الكبرى والاستقلال وعند السؤال عن السبب قال "قرأت مؤخرا مقالا يخص هذه الاحداث وما زالت التواريخ عالقة في ذهني" - رب صدفة خير من الف ميعاد-.
فطرقنا ابواب اهل الاختصاص لنجد موطن الخلل لنضعه امام اصحاب العلاقة لحل هذه المعضلة التي سمتها الدكتورة رلى الحروب "معضلة الهوية" وقالت بصفتها اكاديمية واعلامية "يجب على الاسرة اولا بناء هوية وطنية في ابنائها بدلا من ان يستمد الطفل مبادئه من الفضائيات والافلام التي تنعدم احيانا فرص الرقابة عليها فهذه مشكلة تستدعي من جميع الجهات, ابتداء بالاسرة فالمدرسة فالجامعة ويتخللها بناء الانسان لذاته, ان تضع طريقا واضحا للسير والتصدي للغزو الثقافي والفكري الذي يتغلل في المجتمعات عبر ما يُرى ويُسمع على المرئيات والانترنت الذي يضعف انتماء الشخص لمجتمعه وايمانه بهذا المجتمع ويبدأ بالانحسار مما يدعوه الى الهجرة نحو الثقافات الاخرى تاركا ثقافته الام في مهب الريح, وبذلك يبحث الشاب عن اي معلومة ترتبط بالثقافات الاخرى مما يبعده عن المعرفة الوطنية بما يجب ان يدرك, او حتى يساوي بين ما يعرفه عن منطقته وما يعرفه عن وطنه.
واضافت الحروب "تكمن المشكلة في الناحية الثقافية ايضا في ابتعاد الجيل عن قراءة الكتب ويكتفي ببعض كلمات يقرأها على الانترنت لانه لم يتعلم حب واحترام الكتاب وبالرجوع الى الكتاب يثبت الثقافة فنعود لها ونعود وبالتالي للوطن الذي يحتضن مناهج هذه الثقافة, ولا شك ان للاعلام دورا يجب تفعيله لانه صاحب دور ذهبي في هذه العملية, اما اكاديميا قالت الحروب: المشكلة ليست في محتوى المواد الجامعية التي تدرس فمحتواها موجود في المراحل التأسيسية في المدارس ولكن تكمن مشكلتنا في طريقة التدريس التي توصل الطالب الى حد الملل فيستخدم مواد التربية الوطنية وما يعادلها من مواد جامعية للامتحان فقط ولا يتعامل معها من جانب وطني او معرفي, ويجب تقسيم المواد لنُدخل ما يسمى بالتربية المدنية للتعريف بالاخلاق وحقوق الانسان وثقافته القانونية والديمقراطية الى جانب التربية الوطنية من تاريخ الاردن ودستوره ومؤسسات الدولة فيه.
وبدوره اكد عميد كلية الاداب في الجامعة الهاشمية الدكتور عدنان الهياجنة "نحن بصدد اعادة التفكير في مادة التربية الوطنية وكيفية تدريسها لترسخ دورها بشكل اكبر, ولكن من المفروض ان يدخل الطالب الى الجامعة ولديه الدراية الكافية بالاحداث والتواريخ الوطنية لوجودها بكثرة في المناهج الدراسية للمرحلة الاساسية والثانوية, ويجب ان لا يذكر التاريخ فقط لانه تاريخ بل يجب ان تُفَعّل هذه الاحداث وتُعاد قراءتها ويجب ادراك ان هناك ازمة ثقة بين المواطن والحكومات وحتى يحب المواطن وطنه يجب ان يحصل على حقوقه وان يشعر بان الوطن ينظر للجميع بنفس المسافة ليدرك ما هي الوطنية وما هي المواطنة, فالوطن للجميع ولا يفرق بين ابنائه بل هم من يقسمون الحقوق فيه والواجبات, وبالتالي يجب اعطاء كل شيء حقه واعطاء الوطن حقه ايضا".
ويبقى الجدال قائما حول المقصر, فمن سيمد يد العون لايقاف ابتعاد شباب الوطن عنه? ومن سيقر انه المسؤول? لا للومه بل لمعرفة نقطة البداية لاصلاح الخلل.
العرب اليوم - نوف الور