لازلت اذكر ذلك اليوم الشتوي البارد في قريتنا الوادعة بين جنبات الجبال التي احاطتها من كل جانب حيث كان الشتاء قارصا والثلج وصل الى الباب الخشبي العتيق الذي كان تتخلل شقوقه ومضات ضياء الفجر الاولى وهبات الهواء المعانقة للثلج المنتشي بمنظره وبرودته.
حرص ابي رحمه الله على توفير الحطب ووضعه ليلا في ركن منزلنا الواسع المكون من غرفة متعددة الاغراض فهي غرفة الاستقبال والجلوس والطعام والنوم ومآرب اخرى، اشعل ابي صوبة الحطب حتى بدأت اوداجها وبواريها تحمر وتسود وتتنفس تارة اخرى بدخانها الابيض الخارج من رحم حطب الزيتون وقطع الجفت المشبع بالزيت ولفضولي الشديد وحب استطلاعي فقد اقتربت من الصوبة لاسمع صوت اشتعال النار وارى احمرار البواري عن قرب وللحظة لامست اذني البوري القريب من كوع الصوبة الارضي وهنا صرخت باعلى صوتي كلمة الفطرة يمه يمه ... ركضت امي وبسرعة البرق وفطرة عذراء والهام رباني وفتحت كيس ملح البحر وغرزت يدها فيه وملأت حفنتها المباركة ووضعتهاعلى اذني وضغطت عليها وبقيت ضاغطة على أذني حتى احسست بالماء ينزل من بين اصابع يدها....وبعدها صدقوني لم اشعر بألم ولم يترك ذاك الحرق اثرا وتابعت شقاوتي بعد هنيهة باللعب على الثلج ...
شتاء أمي وصوبة الحطب وغرفتنا الوحيدة وقريتنا الوادعة ومرحلة الصبا العتيقة اشياء متفردة وفريدة وملهمة وباكرة وعذراء ونقية وطاهرة... احترامي وانحنائي لك أمي ولكل الامهات الاردنيات اللواتي ماكن الا أمي .... أمي فقط.
د.عبدالناصر العكايلة