تابعت كحال المهتمين ما حدث من مظاهرات في أوكرانيا وما أعقبها من إقتحام للجيش وبتأييد رئاسي وروسي لميدان المتظاهرين اسفر عن مقتل حوالي سبعين شخصا وهو ما أدى إلى إجتماع مجلس النواب الأوكراني وإتخاذه قرار بعزل الرئيس "فيكتور بانوكوفيتش" من منصبه متهما إياه بإساءة إستخدام السلطة، فتخيلت أنه لو كان لدينا مجالس نواب كهذا أو يستطيع أحدهم أن يأخذ قرارت كربع أهمية هذا القرار أو لو كان لدينا مجلس نواب يجرؤ على محاكمة فاسد من الوزن الثقيل على حد قولهم في دولنا العربية إلا من رحم ربي والتي لم أطلع عليها إلى الآن للأسف، فأنت في الغالب لا تجد إلا نوابا يسبحون بحمد القائد والنظام ويباركون الجهود الجبارة التي يقوم بها القادة وأولياء الأمر حفظهم الله، وأتذكر أنه خرج علينا عضو في مجلس الشعب السوري وهو يخاطب رئيسه القاتل والذي لم يقتل سبعين فقط بل شرد الملايين وقتل عشرات الآلاف ودمر البلاد ليقول له أن البلد هذا صغير عليك سيادة الرئيس وأنت تستحق أن تحكم العالم، ونتذكر أيضا عندما إجتمع المجلس نفسه في سوريا وقد عدل الدستور السوري خلال ربع ساعة ليصبح الكرسي بحجم من دمر البلاد وشرد العباد لاحقا.
أما إذا تكلمنا عن مجالس نوابنا في الأردن وخاصة الأخيرة منها والتي جاء معظمها بالتزوير فسيعجز اللسان عن ذكر البطولات والإنجازات التي قامت بها هذه المجالس، فهم لم يتركوا فاسدا إلا والبراءة منحوه ولا قانونا ضد المواطن إلا وشرعوه ... ولم يتركوا سلاحا إلا واستخدموه ... ولا "فقوسا" أو مكسرات أو "سيجارا" إلا وجربوه... ولا رئيس حكومة إلا والثقة المطلقة أعطوه ولا موازنة على كل العلل والثغرات التي فيها إلا وأقروها، مجالس تعبت صراحة وأقرت قانون يضمن لها رواتب منتفخة وجوازات حمراء لهم ولعائلاتهم الكريمة، وهذا غيض من فيض ما أنجزته مجالسنا الموقرة برعاية حكومية رشيدة.
فعذرا منك يا مجلس نواب أوكرانيا فأنت وإن كنت مدعوم من الغرب وإن إتخذت قرارا تاريخيا بعزل رئيسك وحقن دماء شعبك وحفظ بلادك، فنحن في بلاد العرب لدينا نماذج تفوق نموذجك بكثير وبإنجازات ما زالت ظاهرة للعيان من سوريا الجريحة إلى مصر التائهة وفلسطين المغتصبة والسودان المقسم إلى المغرب المعزول والجزائر الحائرة والخليج المحير إلى حكام يرتجفون ويجثمون على صدور الشعوب بفضل حكمة هذه المجالس من نواب و مشرعين.
مع كل هذا يجب أن لا نضع اللوم كله على الحكومات المستبدة في دولنا وعلى مجالس النواب الضعيفة المعين أكثرها ومع معرفتنا بتزوير الإنتخابات في أكثر البلدان العربية أو تعيين الأكثرية بدون إنتخابات حتى، فإن هناك مسؤولية كبيرة تقع على الشعوب العربية نفسها والتي يجب عليها أن تعيد حساباتها وأن تعتبر مما يحدث في العالم، ونحن هنا لا ندعوهم للعودة للقرون الوسطى كما يدعون دائما ولكن على الأقل أن ينظروا إلا الديمقراطيات الحقيقية فقد صدعوا رؤوسنا بالحديث عنها، ورحم الله عز وجل من قال: "أن الديمقراطية عندهم كالأصنام المصنوعة من التمر يؤمنون بها إذا أتت لهم بما يحبون ويأكلونها إذا لم تعجبهم نتائجها".