خلال يوم واحد أنهت الحكومة الأردنية كل ما لديها من إجراءات حيال قيام اليهود بقتل القاضي الأردني الشهيد رائد زعيتر .استدعت السفير الإسرائيلي على عجل لامتصاص غضب الشارع وشجبت الحادث وطلبت شوية إيضاحات ،وستقوم بمتابعته القضية حسب المخاطبات الدبلوماسية المتثائبة وهذا أقصى ما يمكن فعله والباقي عندكم .ومن يطلب من الحكومة القيام بأكثر من ذلك فهو كمن يطلب الدبس من النمس .
وفي رثائي للشهيد سأعيد نشر مقالتي (هؤلاء يهود بمهمة رسمية وليسوا سياحا) لتوضيح كيفية التعامل الرسمي الجبان مع الصهاينة المنتشرين في المملكة :-
(في الأخبار الواردة قبل أيام أن مروحيات الأمن العام تمكنت من إنقاذ (8) سياح أجانب ضلوا الطريق في منطقة «شلالات مجهول» بالقرب من قرية ارحاب شمالي محافظة الطفيلة ، لمدة سبع ساعات متواصلة.
ما هي السياحة السريّة في المناطق البعيدة والوعرة خارج المجموعات السياحية المنتظمة بلا مرافقة أمنية ودون علم الأجهزة المختصة !!!؟ .
هؤلاء يهود أقحاح وليسوا سياح ،والسفارة هي السفارة الإسرائيلية ،ولقد أخفى بيان الأمن العام جنسيتهم قائلا (ان الأجهزة الأمنية تلقت اتصالا عند الساعة التاسعة صباحا حول فقدان الاتصال مع عدد من السياح الأجانب وسفارتهم ،مما استدعى استنفار الطواقم الأمنية والوصول الى منطقة شديدة الوعورة، حيث تم البحث عن الطاقم السياحي بين المنطقة الممتدة من قرية ارحاب في الطفيلة باتجاه الاغوار، لافتا الى ان وعورة المنطقة تطلبت الاستعانة بإحدى المروحيات في الأمن العام).
هذه ظاهرة روتينية متكررة ،وليست المرة الأولى التي يتيه بها اليهود ويضلون الطريق وينقذهم الأمن العام ،وتتعرض المملكة وخاصة مناطق الجنوب لحملة تهويد منظمة تهدف الى العبث بالأماكن الأثرية والتاريخية وتزويرها لإثبات نسبتها لأصول يهودية ،وتقوم مجموعتان صهيونيتان دوريا بارتياد مناطق وادي بن حماد في الكرك ،ووادي الحسا ،ومنطقة الهيشة في الشوبك ،ومقام النبي هارون في البتراء ،والطفيلة، ووادي رم ،وتصل إلى مواقع نائية يصعب على سكان تلك المناطق بلوغها لشدة وعورتها ومشقة الوصول إليها سيرا على الأقدام.
تحاط الأنشطة اليهودية بطوق من السرية والكتمان ،وما تجمع من معلومات خلال التعامل مع الأحداث والوقائع على مدي السنوات الماضية تؤكد ان المجموعة الأولى هم تشكيلة مصغرة تتكون في كل مرة من بضعة ضباط في الجيش ،وانجاز مهمتهم هو شرط لاستكمال اجتياز دوره تدريبية شاقة تعقد في احد المراكز العسكرية الإسرائيلية ،والمجموعة الثانية طلابية من الدارسين بأقسام كليات الآثار والتاريخ الجامعية الإسرائيلية ،تأتي لإتمام مساق دراسي تحت إشراف أساتذة مختصون ،وتتخفى المجموعتان بلباس مدني وحمل جوازات سفر مزيفة ،وتدخل البلاد سيرا على الأقدام تحت غطاء سياحة المغامرة من دون موافقات مسبقة ،وتتنقل لعدة أيام في مواقع محددة نائية ووعرة حاملين على ظهورهم ما يحمله في العادة الرحالة من احتياجات ومستلزمات السفر الطويل في حقائب الظهر ، إضافة لخرائط وأجهزة تحديد المواقع ،وحبال تسلق وماء وطعام ،وربما شيء خفيف من فراش وغطاء .
التسلل إلى المناطق المستهدفة يجري خلسة ،مع احتياط تام لضمان الولوج الآمن إلى الآثار التاريخية بصمت وبعيدا عن الأنظار، لإتلاف المواقع الأثرية بالمحو والتحريف ،او إضافة كتابات جديدة ،ودفن قطع أثرية مزيفة ،وسرقة الموجود منها ،ولا يكتشف أمرهم إلا عند طلب النجدة إذا الم بهم طارئ ،أو تاهوا أو علقوا بين الشقوق الصخرية الشاهقة ،او السقوط ،أو تعرضهم للإصابة بلدغ الزواحف والحشرات ،فيطلبون المساعدة عبر الهواتف الخلوية والأجهزة اللاسلكية من مرجعياتهم في إسرائيل ،وبدورها تجري المؤسسات المختصة اتصالاتها مع السلطات الأردنية عبر السفارة الإسرائيلية في عمان .
في شهر أيار 2011 أعلن مدير عام دائرة الآثار العامة أن النتائج الأولية التي أجريت للقطع الأثرية (المخطوطات المسروقة ) من احد الكهوف شمال المملكة من قبل تاجر آثار إسرائيلي بينت أنها القطع الأصلية ،مضيفا أن تحليل النتائج أجري في جامعة أكسفورد في سويسرا، ومعتبرا أن القضية حساسة ودقيقة، وان الجهات كافة تتعامل معها بدقة متناهية ،وتساءل حينها رئيس رابطة الكتاب الأردنيين السيد سعود قبيلات في مقالة (اللفائف المسروقة ) في جريدة الرأي عن سبب السكوت عن هذه السرقة الخطيرة ،والأشخاص المتورطين ،وعن دور هيئة مكافحة الفساد ، ويبدو انه تم تجاهل الإجابة على هذه الاستفسارات ،ولم تكلف الحكومة نفسها عناء الرد ،ومصير القضية لا زال مجهولا، ولم نسمع عنه منذ ذلك الحين خبر.
الموقف الرسمي يبدو ذليلا إزاء استباحة الأراضي الأردنية ،ووزارة السياحة غائبة عن الساحة تماما ،ودائرة الآثار لم تحرك ساكنا ،بل ان المجموعات تتلقى خدمة الإنقاذ والإسعافات الأولية ،ويقضي العاملون في الأجهزة الأمنية والدفاع المدني جهودا إجبارية مضنية في البحث عن العسكر ،واقتفاء أثرهم وباستخدام المروحيات أحيانا ،معرضين حياتهم للخطر ،ويرفض هؤلاء الأشخاص دخول المستشفيات والمراكز الأمنية خوفا من إجراءات التحقيق التي قد تكشف عن حقيقة هوياتهم .
الإجراءات الرسمية طريحة حكاية تصميت وتضليل غامضة ،تقول ان الوضع القائم يجري بأمر من فوق ،ويتم ترسيخها والترويج لها بالإيحاء والتلميح دون ان يقال من هي جهات ذلك (الفوق) ،ومدراء الدوائر يرتجفون من الخوف ،ويغضون النظر عما يدور في اختصاصهم من مخالفات ،وإجراءات السلطات العليا باهتة واستلقت للإرادة الإسرائيلية ،وتكتفي بمخاطبات عبر القنوات الدبلوماسية الروتينية بصيغ أقرب ما تكون إلى النصيحة والرجاء منها إلى الاحتجاج ،والسلطات الإسرائيلية تدرك تفاهة رد الفعل الرسمي، وتتجاهل الإجابة او الاستجابة ولم يجر أي تغيير على الأنشطة التهويدية ولا تزال تسير بنفس الوتيرة باطمئنان وأمان.fayez.shbikat@yahoo.com