زاد الاردن الاخباري -
طائرة الملك .. الغدر ذات صيف في بغداد !
* ماهر أبو طير
كان ذلك يوم أربعاء. في الأيام الأولى من شهر تموز من عام ,2008 الحر شديد جدا في بغداد ، والملك يستعد للسفر الى بغداد ، كأول زعيم عربي يزور العراق آنذاك.
الزيارة ألغيت فجأة ومتحدث رسمي يقول لوكالة الانباء الفرنسية يومها ان الغاء زيارة الملك الى بغداد وتأجيلها جريا لاسباب أمنية. بضع كلمات لم تُوضّح القصة. وبقيت غامضة حتى يومنا هذا. ما لم يعرفه كثيرون ان جهاز المخابرات الاردنية ، وببسالة من فيه تلقوا معلومات مؤكدة من مصادر موثوقة ، حول تخطيط تنظيم القاعدة لاغتيال الملك. المخابرات كانت تتابع المعلومات اولا بأول ، وكانت تُوثق هذه المعلومات بالتسجيلات الصوتية ، والفيديو ، والمجموعة التي كانت تريد اغتيال الملك ، تم اختراقها من جانب الاردن ، وكانت تضم سبعة عناصر.
طائرة الملك يومها كانت جاهزة. الوفد جاهز وسيارات الملك على وشك المغادرة الى المطار. اللحظة الاخيرة هي التي اوقفت الرحلة. بضع كلمات قيلت في اذن الملك. فألغى الرحلة وابتسم. وتم الامساك بالمجموعة قرب نهر في بغداد ، بعد فشل العملية. وتم توثيق كل العملية. لولا رجال الاردن هنا وهناك ، لما تم كشف محاولة الاغتيال. قبل مغادرة الملك بنصف ساعة ، تم ابلاغه بالتطورات والغيت الرحلة. تنظيم القاعدة حين يريد اغتيال الملك فهو يريد ارسال الاردن الى جهنم ، وفتح البلد على الخراب والفوضى. حتى الملك صبيحتها كان مُنقبض الصدر ، وهو مطل على كل تفاصيل العملية ، وتأجيل الرحلة لم يُنقذ حياة الملك وحسب ، بل انقذ حياتنا واستقرارنا. ما الذي جرى للمجموعة التابعة للقاعدة التي حاولت تنفيذ الاغتيال؟ دفعوا ثمن فعلتهم الآثمة. بعد ذلك بأسابيع وفي الثاني عشر من شهر اب قام الملك بزيارة جريئة وسريعة وآمنة الى بغداد.
هذه القصة سر من اسرار تخطيط القاعدة لتخريب الاردن. ولا يعرفها الا عدد محدود ، لا يتجاوز اصابع اليد الواحدة. هل نام الاردن في العسل ، يومها. بالطبع لا. من حق الاردن في هكذا حالات ان يكون موجودا في ساحات تُهدده بالخطر. لو حدث اي اختراق امني للاردن لطالبنا برحيل الحكومة ومحاسبتها ، ونتذكر ان تفجيرات عمان المُدوية ، التي لا تحل شرعا ولا اخلاقا ، ادت الى تغييرات شاملة حكومية وغير حكومية. معنى الكلام ان المرء لا يُجامل في ملف الامن والاستقرار. الاردن لم يطرق باب القاعدة ولا ذهب ليلعب معها في ساحاتها. علينا ان نُرتب حلقات المشهد بطريقة منطقية ومُتسلسلة. القاعدة هي التي فجرت في عمان ، والتي بدأت اللعبة. هل تريدون الاردن ان ينتظر ضربة تلو اخرى ، ام يُبادر الى الدفاع عن نفسه وشعبه. ما لا نعرفه في هذا الصدد اكبر بكثير مما نعرفه. القاعدة التي لم تعد توجه ضرباتها للاحتلالات ، وتخوض حروبا مذهبية في العراق ، وحروبا اخرى غير منطقية ، علينا ان نقف عندها مطولا ، لان الشعار العاطفي لم يعد مُقنعا ، فما الذي استفدناه من تفجير برجين في امريكا ، وتم احتلال بلدين مسلمين مقابلهما ، واضطهاد ملايين المسلمين في العالم من التأشيرة مرورا بالمطارات ، وصولا الى الاهانات والاساءات في الشوارع.
اسهل الاشياء ان يعض بعضنا كتف الاردن ، ويُحمله مسؤوليات من هنا وهناك. هذا ملف سياسي وامني ، نتركه لاهل الاختصاص والخبرة ، يقدرون اخطاره وفقا لما لديهم من معلومات ، وليس وفقا لما لدينا من اهواء وتخيلات. الذي يريد تهديد حياة ابني لا انتظره حتى يقفز في حضن المنزل ، ومن حقي ان اصل اليه حيثما كان. لان العائلة ستُحملني ايضا مسؤولية الخراب ، وستسأل اين كنت واين كنا ، حين وقعت الفاجعة. القضايا المفصلية للدولة والبلد والشعب ، لا تحتمل الاختلافات الجوهرية ، وتحتمل الاختلافات فقط في بعض التفاصيل ، اما امن الاردن ، فهو اهم ما لدينا ، وعلى من يتحمل المسؤولية ان يعرف انه مطالب بقدح عيونه جيدا ، وان يحمي البلد ، وشعبه من الخطر ، لان الخطر غير موضوعي وغير عادل وغير اخلاقي ، ويترك دولا ، ويستهدف دولا ، في اصعب ظروفها الجغرافية.
طائرة الملك التي لم تهبط في بغداد يوم التاسع من تموز عام 2008 ، لم تهبط لولا الشباب الذين لا ينامون. وبقيت تُحلق عاليا ، ومعها قلوب ستة ملايين اردني يعرفون ان العرش الهاشمي والدولة صمام امان لحياتنا ، في ظل هذا الخراب المُطل برأسه على من حولنا وحوالينا ، وامن البلد ، ليس ملفا للمزاودات الرخيصة ، واطفالنا الذين يهلعون من صوت الالعاب النارية الاحتفالية ، لايعرفون ان سكاكين الغدر تُطل وتذهب ، لكنها تعرف انها تنام آمنة اخر الليل ، وهذا كل ما يُهمها.
اجهزتنا الامنية لا تعتمد في تحركاتها على الفاكسات مجهولة المصدر ، وانما تبني وجودها بطريقة مختلفة تماما.
أليس كذلك؟