بكل المقاييس، وبكل القواميس اللغوية، وبسيلِ التصريحات المتدفقة مع اللُّعاب، سالت الحقيقة، وأُميط اللثام عن تدشين معركةً، بأبعاد عربية وإقليمية ودولية، على فكرة الصحوة، وميلاد ظروف النهضة، بعد سقوط أنظمة أربعٍ، وترنُّح خامسٍ، كانت هي الأسواء في مقاييس النُّظم الاستبدادية في العالم الحديث!!
المشترك الجامع لكل المناوئين لفكرة التّغيير: إنه إذا كان بديلُ النظم الخائبة هو الإسلامي - حتى لو كان معتدلا- فلا مرحبا بالربيع، ولنجعل حياة الناس إذن خريفا، أو موتا أصفر أو أحمر أو أزرق، فالمهم أن لا نرى في عالم الناس، أو وِجدانهم هلالا، أو خيال هلال!!
لقد قام هذا الإجماع بعد تسعة أشهر من بداية الربيع، وظهور أوائل زهوره، التي راحت تتفتح بالإسلام وللإسلام، وكانت الواجهة المتصدّرة له جماعة الإخوان وحماس.. حملتهما الشعوب، ووثقت بهما، ودفعتهما إلى المقدمة، فدّب الذّعر في قلوب العاجزين، وخافوا الفضيحة، بظهور الإنجاز ،وترسيخ القانعة بالبديل، فكان لا بد من الالتفاف والإجهاض، ولو بأبشع صور السقوط الإنساني والإخلاقي!!
الفكر الإخواني أسسّ لقواعد النهضة الفكرية والاجتماعية والتعليمية في كل ربوع العالم الإسلامي، بما فيها الخليجي، ولسنا بحاجة لذكر إشادة علماء الحجاز ونجد بدور الإخوان وجهادهم، برقم الفتوى ومقطع الفيديو، ولا بالمطبوعات المنهجية والتربوية في مطابع وزارات المعارف، لكن الشراكة القائمة بين هذه النظم، وبين العالم المتسلط ولي الأمر الحقيقي لها، فرضت على السياسي طمس الشرعي والحقيقي، وتكريس الكذب والتزوير لتبرير الانعطافة، وقلب الحقائق، تمهيدا للانتهاء من المارد قبل أن ينهض على قدميه ويستوي!!!
العناوين الكبرى لهؤلاء: لا للإسلام السياسي، لا لتدخل الإسلام في الحياة، لا للرجعية الدينية، لا للدولة الدينية الثيوقراطية، لا لسلطة الشعب، لا لدوره الريادي، نعم للقطيع.. نعم للدولة المدنية العلمانية بطبعتها الممسوخة..نعم للحرية المتحللة المنفلتة.. نعم للإباحية.. للفحش ..للرقص.. للتعري .. نعم (للموديرين) العصري..لا للإلهي (البالي)!!!!
وباسم الدين يتكئ المنقلبون على أكتاف فتوى العمامة، وعتبات الحرم، وصلوات الأب والابن والروح القدوس، وشموع الشمعدان، ليُعيدوا تثبيتَ الأوضاع القديمة، بأقنعتها الجديدة، أو حتى القديمة إذا استدعى الأمر ذلك!!
الحرب ليست على الإخوان، ولا حماس، إلا بمقدار تمثيلهم لكل ما هو سماوي، وإلا بمقدار تعبيرهم عن أشواق الأمة.. إلا بمقدرا انتسابهم لنهج النبوة، وميراث خير القرون، تساهم فيها(الحرب) كل النظم العربية التي نجت من نسمات الربيع، أو تأخر وصوله إليها، فردّت بهجمة عكسية، أعدّتهم لها وادخرتهم روابط عميقة قديمة بالمستعمر، ترجع في عمرها إلى نهايات القرن التاسع عشر، ومطلع القرن العشرين، حيث سياكس وبيكو، وسان ريمو، وملاحقها بعيدة الأمد!!
هذه الفوضى، وهذا الاضطراب، وهذه التّردي في كلّ القيم الإنسانية.. هذا الموت للضمائر المجففة أو المجمّدة، مَرجعه إلى حالة الهلع من تغيُّر شروط اللعبة، وتحوّل مزاج جماهير الأمة وشبابها، ومما عجّل مِن وتيرة هذا التحوّل والتبدّل، تلك الخطوات الحمقاء سياسيا وأمنيا وإعلاميا، التي انتهجها الفريق الانقلابي الرسمي العريض، حيث جاءت بنتائج عكسية، زادت اللحمة بين جماهير الأمة ونماذجها وقدواتها، من رجال العقيدة والمبادئ، في طول البلاد وعرضها.
المشهد المصري حاسم ،وها هو الشعب المصري المتَّهم بالجهل والأمية والسذاجة، يصفع بحذاء المقاطعة جبهة الانقلاب العربي، وها هو الشباب يغيبُ ويغيبُ، ليستجمع قوته، ويثب وثبته الفاصلة في بضع سنين، فلا يفرح مُرتدٌ انقلابيٌّ بما انقلب!!
الورطة التي أدخلت النظم نفسها فيها كبيرة، وحمقاء غير محسوبة، الفئة المستهدفة (الإخوان وحماس ) هما تجسيد الوسطية في الإسلام، وعنوان التغيير السلمي الآمن، لكنه الأعمق أثرا، والأثبتَ قواعد، وتزداد صلابته كلما زاد العدوان عليه، وتزداد مرونته وقابليته للتمدد والاستمرار والمقاومة، كلما زاد الطرق فوقه!!!
ورطتهم (النظم) مع قوم هتافهم عاهدنا الله، وبايعنا رسوله صلى الله عليه وسلم، وسبيلنا الجهاد، وأمنيتنا الشهادة، وشعارهم لا نقيل ولا نستقيل، والتاريخ شاهد، والنماذج صارخة.!!
فيا عبيد الانقلاب، أصلحوا ما أفسدتم، وإلا فرتّبوا حقائب الهرب، أو أكفان المحاكمة، وتحسسوا، فمعركتكم خاسرة، واللحظة قريبة قريبة!!
a_dooory@yahoo.com
28/5/2014م