بعيدا عن دروس الدين في الصفوف الأولى ومجالس القرأن في المساجد وحكايات رجال الدين عبر الشاشات الفضائية ، نجد أن هناك معصومين في زمننا يختلفون عن المعصومين التي وردت سيرتهم في كتب الدين وأطروحات رجاله ، وهؤلاء المصعومين هم من يحكمون في هذه الايام الكثير من إمارات وممالك وجمهوريات الوطن العربي ، ويستندون في عصمتهم هذه لرجال دين وضعوهم أسفل أقدامهم وفي غرف مغلقة لحين الطلب ووقت الحاجة .
والذي يتتبع ما يدور من أحداث في الكثير من تلك الإمارات والممالك والجمهوريات وفي المقابل يتابع تصريحات قياداتها لايمكنه أن يقول سوى أنهم معصومن عن الخطأ ، والأمثلة هنا كثيرة وتأخذ دائما صيغة النفي لحدوث خطأ وهنا تحقق العصمة عندما ينفي الشخص ومن خلال منصبه كحاكم بأنه لايخطأ وأن ما يحدث في مملكته أو إمارته أو جمهوريته ما هو إلا خطأ من الطرف الأخر الذي خرج عن طاعته كأمير أو ملك أو رئيس .
وخلال فترة ما يطلق عيله الربيع العربي التي مازلت مستمرة منذ ثلاث سنوات لم نسمع عن قيادة عربية أو مسؤول تحت هذه القيادة قد أقر بخطأءه وغادر منصبة رغم حجم الدم والقتل والعنف الذي أصاب الشارع العربي بعد سقوط أصنام أنظمة سياسية ، وحتى هذه الأصنام التي رحلت أو قتلت إستطاعت أن تعيد ترتيب اوراقها من جديد وأوقعت مجتمعاتها بفوضى الدم من باب أن تؤكد أن الأخر الجديد هو الذي أخطأ وهم كانوا لايخطئون بل تجنت عليهم شعوبهم .
وهذه الحقيقة برزت كثيرا خلال فترة الانتخابات التي حدثت في سوريا ومصر ومن خلال ما تناقلته الفضائيات من شوارع تلك الدول كان السؤال المطروح من قبل الجميع يدور حول من أفضل اليوم أم الأمس ، وكانت النتيجة لصالح أن الأمس أحسن من اليوم رغم صعوبة الحياة وسوء من كان يدير أمورهم في تلك الفترة ، أي أن هؤلاء القادة أو الزعماء وإن كانوا قد أخطأوا فقد جاء خطأءهم من أخرين كانوا يحيطون بهم وهم معصومين عن الخطأ .
ومع بقاء هذه الثقافة هي المسيطرة على العلاقة ما بين الحاكم والمحكوم وفقدان ميزان الحكم على خطأ أي من تلك الأطراف وفي نفس الوقت غياب المحاسبة والعقاب ستبقى دولنا العربية يحكمها رجال إقتربت صفاتهم من صفات الأنبياء وأصبح لزاما على الشعوب أن تسير من خلفهم لأنهم هم أنبياءهم في هذه الزمن ، وهذا الحديث هو تأكيد لحقيقة ما صرح به الرئيس المصري السيسي بأنه لن يقصي أحد من الحياة السياسية في مصر ، ويقولها جميع من في يده زمام أمور تلك الشعوب .