زاد الاردن الاخباري -
اختلفنا في الأردن من يحب مصر أكثر، لست أدري إن كان هذا هو سبب الخلاف الحقيقي أم أنه لا أحد منا يحب مصر !! وإنما نحن نعشق العصبية والتعصب، فأحدنا لم يُصلّ في حياته ركعة، ولم يدخل مسجدا لمرة واحدة، ليبراليا من طراز رفيع، كان يكره الإخوان ويحاربهم طوال حياته، وفجأة يصبح المدافع الأول عنهم وعن شرعيتهم وعن أحلامهم التي اصبحت سرابا، وراح يقاتل في كل مكان عن الظلم الذي وقع عليهم، ويخترع الأفكار تلو الأفكار التي تدفع لإمتداد رقعة الفتنة، وإزدياد مساحة الخلاف، بين المصريين، وبين المسلمين، وبين المسلمين والمسيحيين، ثم بين الأردنيين، وبين أي شخص يقول أن على الإخوان طي صفحة الماضي، وفتح صفحة جديدة.
زارني مؤخرا، صديق فنان اردني، وأذهلني وهو يشرح وجهة نظره في حب مصر، وأنه كان أول من صفق لمحمد مرسي حين فاز بالإنتخابات، وأنه تأمل منه خيرا كثيرا، لكنه وقبل ثورة 30 يوليو، شعر أن مصر بيد الإخوان ليست أفضل ولن تصبح أفضل، وأنه إذا استمر الوضع على ما هو عليه ستعود مصر إلى الوراء ألف عام، وحين تم اسقاط مرسي واجراء انتخابات جديدة، التي فاز بها عبدالفتاح السيسي، صفق أيضا، وتفاجأ من عدد كبير من الأشخاص الذي كانوا ضد الإخوان قد أصبحوا مناصرين لهم، يهاجمون صديقنا الفنان على موقفه تجاه مصر، ويذبحونه بكلماتهم وسخريتهم من قبوله للإنتخابات الأخيرة، وقبوله السيسي، وقبوله بشغف أن تمضي مصر العظيمة، نحو الإستقرار والمصالحة، وأن تعود إلى مكانتها العربية، كشقيقة كبرى غالية على الجميع.
قال صديقنا الفنان: "فليرحمونا، يزاودون علينا في موضوع محسوم، نحن لا يهمنا من يحكم مصر، ما يهمنا أن تعود مصر أقوى من السابق، لا يهمنا إن كان الإخوان أم الأشقاء، ما يهمنا فعلا هو أن نشعر أن الفتنة انتهت، وأن تعود مصر (أم الدنيا) من جديد".
بالنسبة لي شخصيا، أضم صوتي لصوت الصديق الفنان، وأرى أن الإخوان، كتنظيم سياسي، يشبه المرأة التي تم تطليقها، لكنها ما زالت متعلقة بالماضي، متعلقة بعقد الزواج، متعلقة بالذكريات، ترفض أن تعترف أنها شخص يصعب التعايش معه، وترفض أن تتقبل فكرة أن الزواج مستحيل، وأن استمراره ضرب من ضروب الخيال، ثم رفضت فكرة الطلاق، ولم تصدق أن زوجها قد طلقها، وما زالت تظن انها الزوجة الشرعية، وأنه يحق لها أن تمارس دورها كزوجة شرعية، وتقاوم بطريقة مؤذية فكرة زواج زوجها من واحدة آخرى، وتريد أن تعود بالقوة، أو بأي ثمن، حتى لو كان حرق البيت وقتل الأولاد جميعا !!
لا أريد التنظير، ولكن لماذا نتدخل نحن كأردنيين أو كعرب، فيما يُعمق الخلاف في مصر؟ ما المصلحة الشخصية أو القومية أو الدينية أو المالية ؟ هل نحب مصر؟ كلا، هل نعشق الجدال والتعصب؟!؟ لست أدري، ما أعلمه وأفهمه وأشعر به أن بارجة مصر العظيمة قد انطلقت في المحيط، سحبت المرساة واندفعت نحو المستقبل، ولا يحق لنا سوى الدعاء لها بالوصول، مع رعاية الله.