إن القارئ للتاريخ الإسلامي بتبصر ،يدرك تماما أن الفتوحات الإسلامية امتدت بشكل سريع جدا ، والأغرب من هذا هو قدرة المسلمين على الحفاظ على البلاد التي دخلوها تحت حكمهم، دون تسجيل لحالات انتهاك أو قمع للحريات في تلك البلاد، حتى على فرض أن التاريخ كان كاذب وسجله المسلمون ...!لا يذكر التاريخ حدوث حركات ثورية ضد الحكم الإسلامي في أي بلد دخله ، وإنما كانت هناك ثورات قادها الحكام المناهضون للحكم الإسلامي تحت مظلة الأديان التي ينتمون إليها ، وإلا فكيف ستقنع شخص بأنه يجب أن يقاتل عنك حتى الموت بدون فكرة "الجنّة" تقايضه بها ، ثم بعد ذلك تقرفص فوق صدره وتستخدمه عبدا في حال لم يحالفه الحظ بدخول الجنّة ..!
والنظرة المتبصرة لتلك الحقيقة ، تعطي احد انطباعين لا ثالث لهما؛ الأول أن الفتوحات الإسلامية لم تكن تستهدف ولا بأي شكل الأشخاص ولا حتى الجماعات ولا الأديان ولا الممتلكات الفردية للأشخاص ، بل كانت تنحصر في قتال وإسقاط الأنظمة الحاكمة لتلك المناطق، والدليل أن مواطنين تلك الأنظمة لم يتأثروا ولا بأي شكل من الأشكال نتيجة هذا الحكم الطارئ عليهم بل أن الأمر أبعد من ذلك فهم وجدوا في هذا النظام الإسلامي الحاكم الجديد العدل بشموليته ، مما سهّل مهمة الجيوش الإسلامية الفاتحة لتلك المناطق بل ابعد من ذلك ؛ حيث شجع أهلها على الانضمام لجيوش المسلمين لفتح مناطق أخرى أبعد ، فكان سكان المناطق المفتوحة يقدمون الدعم اللوجستي لجيوش المسلمين من نقل وإمداد وتجهيز وغذاء وايواء ، فلا يمكن بأي حال من الأحوال –بعيدا عن المعجزات والدخول في نقاش لا أحد يستطيع أن يثبت فيه صحة ادعاؤه- أن يتمكن جيش في تلك الفترة من فتح تلك المناطق الشاسعة جدا وتثبيت حكمهِ فيها إلى قرون قادمة ... بدون تأييد مطلق من أهل تلك البلاد ...!
الانطباع الثاني هو أن الجيوش الإسلامية كانت من الوحشية بمكان بحيث لم يعطوا مجالا لأحد للتنفس ، فكانت جيوش قمع وكبت وقتل ، وهذا الانطباع يمكن دحضه بسهولة ، من خلال إعادة النظر في تحليلي للانطباع الأول ..!
لم اسمع عن "داعش" إلا كل سوء ، وهذا ليس ببعيد ولا غريب بسبب طبيعة الإعلام العالمي وليس فقط المحلي، لكن ما يحصل الآن في العراق والسرعة التي تنتشر فيها قوات "داعش" ، تجعل من "البعبع" الذي ينسج حول ما هيّتها وطريقة حكمها ونظامها أمرا مثيرا للتساؤل ، لا يعقل أن تسقط نصف العراق "بداعش" فقط ، وإن صح هذا الكلام فهذا يعيدنا إلى المربع الأول والتحليل المنطقي – من وجهة نظري- لذلك الأنطباع في بداية المقال عن الجيوش الإسلامية.
الشعوب عموما لا يعنيها "من يَحكُم" ، أنما "كيف يَحكم"...!
"ها كيف لعاد....!"
قصي نسور