كنت وما زلت من أشد المحاربين لظاهرة الدروس الخصوصية، واعتبرها قلة عقل، ومضيعة للوقت والجهد والمال، وأحد أسباب الضياع والانحراف. وهي بالتأكيد تشير إلى فساد وترهل النظامين التربوي والاجتماعي. ولا تقدم أو تطور إلا بوضع حد لهذه الظاهرة الخبيثة واجتثاثها من جذورها لتصبح أثراً بعد عين.
ولكن عزم وزير التربية والتعليم إغلاق المراكز الثقافية التي تقوم بإعطاء دروس للطلبة مبنية على المناهج والكتب المدرسية بحلول شهر آب القادم إستناداً للمادة 2 من قانون التربية والتعليم لسنة 1994 وتعديلاته والمادة 2 من نظام المراكز الثقافية لسنة 2008 والمادة 9/ج من تعليمات المراكز الثقافية لسنة 2009، أمر يفتقر للحكمة والبصيرة، ويعبر عن عقلية عرفية قاصرة، ويؤكد على حقيقة أن الرجل شعاره الوحيد "لا أريكم إلا ما أرى ولا أهديكم إلا سبيل الرشاد"
لا اعتراض على جوهر القرار من حيث المبدأ، بل هو مطلب كل طالب قبل أن يكون مطلب كل ولي أمر، ولكن لم تأخر تنفيذ هذه التعليمات منذ 1994 وحتى تاريخه؟!... ومن الأولى بالمساءلة والتجريم والمحاسبة؟؟ المخالف مخطأ، ولكن من سكت عن الخطأ، ولم يطبق الأنظمة والتعليمات هو المجرم الأكبر والفاسد الأعظم!!
ولكن قبل هذا وذاك، هل سأل وزير التربية نفسه لم يلجأ الطلبة للدروس الخصوصية؟ ولم يدفعهم أباؤهم إليها دفعاً؟؟
يفترض بالوزير أولاً أن يعرف الأسباب التي تدفع الطلبة لأخذ الدروس الخصوصية، ومن ثم معالجة هذه الأسباب، وبعد ذلك ليغلق جميع المراكز الثقافية فلن يعترض أحد، بل سيجد الكل يصفق له بحرارة.
إن إغلاق أو منع المراكز الثقافية من التدريس لن يقضي على الدروس الخصوصية أو يخفف منها، بل سيخلق سوقاً سوداء للدروس الخصوصية تضاعف العبء على كاهل الطلبة وذويهم، وستجد المراكز الثقافية بدائل عديدة تمكنها من الاستمرار بطرق ملتوية، ووزارة التربية غير مؤهلة للمراقبة والمتابعة، بل هي بعض أسباب البلاء.
ولا أسهل أن تنتقل الدروس الخصوصية إلى بيوت المعلمين أو الطلبة أو الجمعيات والأندية وغيرها وبأسعار مضاعفة ترهق الجيوب، وتزيد من جشع البعض الذي لا يشبع!
إن وزارة التربية مطالبة قبل اتخاذ أي قرار بالمنع أو الإغلاق بالتروي، ودراسة الأسباب بالطرق العلمية، بعيداً عن الفزعات والقرارات الفردية الفرعونية، ومن ثم إيجاد البدائل المناسبة التي تقنع الجميع، واتخاذ الإجراءات الصحيحة، وعلاج الاختلالات في نظامها التربوي المترهل، لئلا تؤدي خطوتها المتسرعة إلى مشكلات أكبر وأوسع يصعب علاجها، وعندها قد نترحم على ما فات، ولات حين مندم.
موسى إبراهيم أبو رياش