فلسطين ومأساة شعبها، ونكبة أمّتنا فيها، أكبر جريمة ارتكبت في العصر الحديث، لكن تم لملمة أوراقها على مدار 70 عاما، وضغطها، لتصير قضية قطاع شعبي يحتاج للإيواء، والتعويض عن ضرر غير مقصود وقع له، وكل رافض لهذا المنطق غدا إرهابا وعابثا بأمن واستقرار المنطقة!!
النظم الرسمية العربية ظلت تدّعي أنها تمثل الأمة وشعوبها في إثبات الحق، والدفاع عنه، لكنها ظلت عاجزة عن البرهنة على صدقيّتها في هذه الدعوى، ثم جاءت حماس لتكون دليل إدانة لهذا النهج الرسمي، الذي يتحمل وِزْرَ ما انتهت إليه أقدس وأعدل قضية، لا في تاريخ الأمة، بل في تاريخ البشرية جمعاء!!
وجود حماس يعني باختصار:
- أن صاحب المشروع الصادق المؤتمن يسعى لتحقيق مشروعه، ويتخذ الخطوات والإجراءات اللازمة لإنجازه، ولا يبخل في هذا السبيل لا بجهد، ولا مال، ولا نفس!!
- أن صاحب الثأر الصادق لا ينام عن ثأره، ولا ينسى أعداءه، ولا يشرب شراب النسيان، ثم يُتبعه بشراب المحبة، لينقلب حاله من مربع العدو، إلى مربع المحب الولهان بقاتل أبيه، ومستبيح عرضه، وغاصب أرضه، بل تراه ينام على ثأره، وعليه يصحو.. يربّي عليه أولاده، ويغرس في النشء حقهم فيه، ويندبهم للأخذ بأسبابه!!
- أن صاحب الحلم إذا ما صحا في كل صباح يقوم ليضع البرنامج، ويصمم الخطط، ويُمرّن الإرادة على طريق تحقيق الحلم، ويجرّب ذلك، ويُعيد المحاولة بعد كل فشل، حتى يَتحقق له حلمه، وتأتي لحظة ميلاده!!
- أن صاحب القضية لا يعرف المستحيل، ولا يرضخ للأمر الواقع بل يصنعه، ولا يستسلم للعجز بل يحوّله إلى فعل وقدرة وقوة!!
في الطرف المقابل فإن وجود حماس يعني أن:
1- النظم العربية بلا مشروع بلا ثأر بلا حلم، بلا قضية، وهي تبرمج أجنداتها على هذا الأساس منذ كامب ديفيد - على الأقل- لحظة انحراف البوصلة أو انكشافها!! لا يهم، فالأمر عند أصحاب القضية الحقيقيين سيّان!!
2- النظم العربية لم تكن جادّة في عداوتها للصهاينة، ولو كانت جادة في ذلك لاتخذت للأمر أسبابه، وقامت بمقتضياته، وأعدت له عدته، وهي تملك ذلك وقادرة عليه!!
3- أن اليهود أجبن خلق الله، وأنه يمكن هزيمتهم بالحجارة، من شعب يملك الإيمان والإرادة والتصميم! وأنهم لم يوجدوا في بيتنا إلا ليأمنوا، فإن هم فقدوا أمنهم زال وجودهم حتما!!
4- أن بقاء اليهود كل هذه المدة وتجذّرهم في فلسطين لم يكن ليتحقق، لولا التواتطؤ الرسمي العربي الذي انتقل من دعوى العجز والضعف، ليس إلى مجرد قبول الأمر الواقع والاعتراف به، بل إلى مربع الموادّة والمخادَنة والمخاللة للعدو الغاصب، ورُعاته الغربيين!!
5- أن حماس - ثمرة الإخوان - هي حاملة المشروع الحقيقي لنهضة الأمة والدين، وأن كل ما يُشاع حولها، ما هو إلا افتراءات من الأحلاف الإقليمة والدولية المأسورة - للأسف- لصالح المشروع (الصهيوغربي)!!
حماس تنظيم بلا دولة.. بلا حدود مُرسّمة.. بلا اعتراف دولي.. بلا موازنة ومقدّرات.. بلا مكاتب وقُنصليات وسفارات.. بلا كليات عسكرية ولا بعثات تأهيل وتدريب عالمية.. بلا تعاون عسكري وأمني.. بلا استعراض حرس الرشف,,بلا بساط خمري...
حماس بلا هذا كله، ومن داخل الصندوق المغلق بالأقفال العربية الرسمية - تصنع كل هذا الإبداع، وتأتي بكل هذا الإعجاز، وتقدّم لنا النموذج، وتعرض المعنى الحقيقي المقنع الذي يحسن السكوت عليه، وتجبر كل الشرفاء أن يقوموا، و (يرزعوا) لها التحية، ويمسحوا غبار قدميها!
حماس بهذا المعني هي الفاضحة.. هي حجة الله على النظم التي تملك كل أسباب الفعل، لو أرادت، أو كان لها انتماء!!
وهي (حماس) دليل إدانة لا على القُصور والتخاذل وحسب، بل على التواطوء والرضى من كل ذوي الشأن، الذين أداروا مرحلة الفشل إلى الآن!!
ثم نجد بعد هذا كله من يتسائل: لمَ يتآمرون على حماس(الإخوان)؟! ولم يبذلون كل ما يستطيعون لمسحها من الوجود؟!
يا قوم.. يا قوم .. دليل الإثبات يسعى له طرفان، بغرضين متضادين:
مجرم يبحث عنه ليطمس آثاره، ويخفي بإخفائه جريمتة، وصاحب حق يسعى له ليثبت حقه، ويقنع الناس بعدالة قضيته.
حماس مرة أخرى تمثل - بفعلها المبهر البطولي - دليل شعوب الأمة على إدانة مرحلة العجز الرسمي العربي، وهي حجة الله على نظم التواطؤ، وهي البرهان على سبيل انتزاع الحقوق، وهي خريطة الطريق لصنع الكرامة، وبناء الحضارة، وهي لحظة البدء في إعلان انعطافة التاريخ، ليكون زمامه بالأيدي النظيفة الأمينة لا سواها!!!
a_dooory@yahoo.com
14/7/2014م