من المستغرب بل المستهجن أن يفكر وزير التربية والتعليم بإلغاء الامتحان الوزاري لمبحث الحاسوب، وتحويله إلى امتحان مدرسي فحسب؛ فالحاسوب هو عصب كل تقدم وأساس كل تطور، ولا يمكن إحداث أي تغيير نحو الأفضل في أي مجال من مجالات الحياة إلا بتوظيف الحاسوب، والاعتماد على الحاسوب، خاصة ونحن في عصر ثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات التي شملت كل شيء دون استثناء، وكل استثناء حكم بالفناء.
لقد أثار هذه التوجه غير المدروس استغراب وتخوف مجتمع معلمي ومشرفي الحاسوب على صفحات التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية وفي أحاديثهم؛ لما للتوجه من آثار خطيرة تمسهم وتؤثر على مستقبلهم المهني ومستقبل المبحث الذي يدرسون.
وكأن الوزير لا يدرك التوجيهات الملكية بالاهتمام بالحاسوب وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والسعي نحو جعل الأردن واحة لهذه التكنولوجيا، وأكبر منتج لها في المنطقة، بل إن الحلم أن يكون الأردن وادي السيليكون للعالم العربي. وإلغاء الامتحان سيؤدي إلى نتيجة عكسية تماماً، كونها ستفتقد لاهتمام الطلبة وهم عماد المستقبل وعليهم تُبنى الآمال؛ ليتحول الحلم إلى حقيقة.
ثم إن الاقتصاد المعرفي، الذي على أساسه بُنيت الكتب وبرامج تطوير المدرسة والقيادة التربوية وغيرها من المكونات، يعتمد أساساً على الحاسوب وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وإلغاء الامتحان/المادة ينسف أهم أسس الاقتصاد المعرفي، مما يحرفه عن مساره الصحيح، ويؤدي إلى نتائج غير مرغوبة بالتأكيد.
ومما يؤسف له أن الوزير تبريراً لما يريد يدعي أنه اعتمد على التغذية الراجعة من مشرفي التربية، وهذا افتئات وتجنٍ على مشرفي الحاسوب، فقد نفي هؤلاء –وأنا منهم- أن يكون أحد قد أخذ رأيهم حول هذا الموضوع، ولا يعقل أن يصدر عنهم. وعلى الوزير أن يثبت زعمه بعقد اجتماع لمشرفي الحاسوب للتباحث حول هذا الأمر وسماع الرأي الصحيح.
ومن عجب أن الوزير يزعم عدم أهمية مادة الحاسوب في التحصيل العلمي المبني للطلبة الذي يساعد بتوجييههم إلى المساقات الدراسية بالجامعة، وهذا حكم مجاف للمنطق والحقيقية، ولا يستند إلى دليل.. والحقيقة أن كتاب المستوى الثالث يراعي التخصصات الجامعية ويمهد لها، فمثلاً وحدة البرمجة تساعد في توجيه الطلبة نحو تخصص البرمجة، وهو تخصص مطلوب ونام ومهم جداً وربما هو الأعلى أجراً ما عدا الطب. وهو تخصص مطلوب عالمياً وبشدة.
ووحدة الشبكات أيضاً تساعد في توجيه الطلبة نحو دراسة هندسة الحاسوب وهندسة الشبكات، وهو تخصص مطلوب وواعد جداً ونام بشكل متسارع.
ووحدة التجارة الإلكترونية تساعد على توجيه الطلبة نحو تخصصات تجارية إلكترونية، وهو ما يتجه إليه السوق حالياً، وقد يكون هو الطاغي في المرحلة القادمة.
ووحدة إدارة المعرفة تختص بالمعلومات والمعرفة وأهميتهما وكيفية إداراتهما بشكل أمثل، وهي وحدة تساعد في توجيه الطلبة توجهاً علمياً؛ لإدراك أهمية المعرفة وكيفية استثمارها والحصول عليها. والصراع العالمي اليوم هو صراع معرفي بالدرجة الأولى.
ثم إن الحاسوب هو عصب التعليم الجامعي، وعصب التطور والتقدم، ولا مناص لطالب الجامعة من دراسة مساق أو مساقين في الحاسوب، وبعض الجامعات تعقد امتحانات مستوى في الحاسوب لضرورته وأهميته للطالب.
نعم .. إن كتاب الحاسوب بوضعه الحالي قد لا يلبي الطموحات والآمال الكبيرة، ولكن هذا أدعى لتطويره وتعديله لا إلى قتله. ثم إنّ كتب الحاسوب بحاجة إلى تطوير مستمر وجذري لمواكبة التطورات المتسارعة في عالم الحاسوب، ومن غير المقبول أن تعامل كتب الحاسوب كغيرها من الكتب.
كما أن تطبيق معيار (أهمية المادة في التحصيل العلمي المبني للطلبة الذي يساعد بتوجييههم إلى المساقات الدراسية بالجامعة) لو طبق على معظم المواد لناسبها أكثر.. فمثلاً ما أهمية مادة الثقافة العامة؟؟ وما أهمية الثقافة الإسلامية؟؟ وما أهمية الرياضيات لطلبة الأدبي؟؟ وما أهمية اللغة العربية لطالب الهندسة؟؟ وما أهمية ... ؟؟
إنَّ "الابقاء على مادة الحاسوب كمادة أساسية في الثانوية العامة على ان يتقدم الطلبة فيها لامتحان مدرسي اواخر كل فصل دراسي ليكون متطلباً مدرسياً للتقدم الى امتحانات الوزارة دون دخوله بالمعدل" كما يريد الوزير مدعاة لتفريغ المادة من محتواها، كون الطالب لن يعطي المادة أي أهمية معتمداً على النجاح فحسب، وهذا سهل ميسور في ظل الوساطات والضغوطات، ناهيك أن المعلم سيصاب بالإحباط ولن يعطي المادة كما يجب، وستكون الامتحانات شكلية تماماً، وقد تجر إلى شراء بعض الذمم الرخيصة.
بالإضافة إلى أن المادة ستفقد هيبتها عند الطلبة والإدارة وحتى المجتمع، وستصبح مادة هامشية غير ذات قيمة، وهي أولى من غيرها أن يهتم بها، ويُعضُّ عليها بالنواجذ.
إنَّ على وزير التربية والتعليم أن لا ينزلق إلى جريمة إلغاء امتحان الحاسوب، ولا تأخذه العزة بالإثم. ومن الضروري أن يستمع إلى مشرفي ومعلمي مبحث الحاسوب، وضرورة الإسراع في تطوير كتب الحاسوب جميعاً وخاصة كتب المرحلة الثانوية، وعدم الانتقاص من أهمية المادة وضرورتها وأنها مادة أساسية لا تقل أهمية عن غيرها إن لم تكن أهم.