منذ الأيام الأولى للعدوان الهمجي على غزه بدأت تخرج الإحصاءات حول حجم الخسائر التي تكبدها أهالي القطاع جراء القصف الاسرائيلي على أحيائهم ومنازلهم ومنشآتهم التجارية والاقتصادية ..
الخسائر الاقتصادية وحدها حسب التقارير الأولية تجاوزت السبعة مليارات دولار هذا فضلا عما ستفصحه الأيام القادمة عن خسائر الدمار الهائل الذي طال كل شيء في القطاع والذي يتعين على المجتمعين العربي والدولي تقديم العون والمساعدة لاعادة اعمار ما دمرته الآلة الاسرائيلية من بنى تحتية ومؤسسات مجتمعية حيوية في غزه .
لكنني بصراحة أبدو الآن متشائما من الأيام القادمة .. متشائما من خلافات قد تدبّ بين الأشقاء حول أموال التبرعات والمساعدات التي ستصب من العالم كله لاعمار غزه .. وهذا يعني ان الحرب مستمرة غير انها ستأخذ شكلا بشعا لا قدّر الله ، حيث سنرى ونسمع أن هناك اطرافا مجهولة ستقود الأشقاء الى حرب اهلية أو فتنة سوداوية بين الفصائل المتناحرة .. فنحن اذن أمام مشهد ضبابي في غاية السوء وسرعان ما سيسعى لاعبون اقليميون لتفجيره تحت عناوين مختلفة ، وهذا يعني ببساطة أن هناك فتنة سيتم ايقاظها بعد ان ينشف الدم الناجم عن الحرب الجنونية التي وصفها الرئيس الفلسطيني محمود عباس بالحرب العبثية .
وهنا لا أكتمكم القول أنه بعد انتهاء عدوان 2008 على غزه رافقت طائرة مساعدات اردنية تحمل سيارات اسعاف طبية وبضعة أطنان من المساعدات الاغاثية والدوائية فقمنا الوفد الاردني بعد الوصول الى مطار العريش في مصر بتفريغ تلك الحمولة في شاحنات تمهيدا لنقلها الى غزه وهناك عند الحاجز في رفح أجبرتنا عصابات مسلحة على تركها لهم حيث شاهدنا بأم عيوننا كيف تم بيعها من قبل تلك العصابات لتجار مصريين .. وفي لحظة معايشتنا للدهشة اقترب مني ضابط مصري فهمس في أذني قائلا اسلموا بأرواحكم وعودوا من حيث أتيتم لأن كافة المساعدات القادمة الى هذا المعبر يجري الاستيلاء عليها وبيعها رغما عن ارادة المتبرعين .. ثم أدرت بنظري حول المكان واذا بمئات الشاحنات المحملة بالمعونات الغذائية والدوائية الممهورة بتواقيع المتبرعين والمكتوب عليها توزع مجانا لأهل غزة يتسلمها المسلحون ثم يبيعونها للتجار بشيك مسحوب على أحد بنوك غزة .. فذلك المتبرع الصادق من خارج القطاع لايعرف من يستلم التبرعات وكذلك شعب غزة أعانهم الله لايعرفون عن أي تبرع يتحدث العالم به طالما لم يستلمون حبة رز وجرعة ماء تقيهم شر المرض والجوع والموت .
أقولها بصراحة هناك تجار حروب يتشدقون بالانتصارات الوهمية ويصدرون البيانات الخرافية ويرفعون الشعارات المضللة التي تنادي .. أستمري ياحرب غزة والمزيد المزيد من الشهداء والجرحى والمزيد المزيد من الرفض للتهدئة ووقف الحرب حتى نجمع أكبر قدر من الاموال .. أما أهل غزه المساكين من وجهة نظر أولاء الأشرار ( عمر ما حدا منهم عاش ) !!!
هذه قمة المهزلة والانحطاط من فئة تتاجر ببيع الأوطان وبيع شاحنات الاغاثه الموجهة للمنكوبين ثم تضع أثمانها في أرصدتها البنكية الخاصة وفئات أخرى كذلك من مختلف بقاع العالم تتاجر بالقضية قتقوم بتجهيز صناديق التبرع في الأماكن المزدحمة تكتب عليها أنقذوا شعب غزة .. غزه تناديكم أما ريعها فهي للجيوب الخاصة ايضا .. كما نرى المهرجين في بعض الاماكن ينظمون الاعتصامات والمهرجانات التي تتضمن الخطب النارية والأغاني الحماسية التي اعتدنا سماعها طيلة سنوات الهزائم ليعلنوا في ختامها عن اطلاق حملات لجمع التبرعات لغزه ينادي لها المأجورون من اصحاب الأصوات الرخيمة .
وهنا أختم مقالتي بنصيحة موجهة لكافة الأخوة المتبرعين في الاردن والعالم أجمع والمتأثرين لسوء أوضاع الأهل في القطاع الجادين والحريصين على توصيل مساعداتهم الى مستحقيها في غزه أنصحهم بارسالها عبر الهيئة الخيرية الاردنية الهاشمية فقط لأن الهيئة بمعرفة أهالي غزه هي الجهة الوحيدة التي بواسطتها تصلهم المساعدات بأمان واطمئنان .. حيث تقوم الهيئة هناك بتوزيع مواد الاغاثة والأدوية والمستلزمات الطبية من خلال منظمتي الأمم المتحدة والصحة العالمية اضافة الى الدور الرائد المعروف للمستشفى الميداني الاردني في القطاع نفسه .