أقل ما يمكن أن يوصف به السلوك الرسمي تجاه حقوق المعلمين المهضومة أنه حالة من السفاهة الممنهجة، وتتم برغبة واضحة لا يمكن نفيها أو تجاهلها، وذلك بتحليل بسيط لتصريحات المسؤولين، وزوائدهم الإعلامية العاملة حسب طلب صاحب القرار!!
كل الجهات المعنيّة التي ناقشت القضية مع مجلس النقابة أقرّت بأحقّيّتها، وأنها مِهنية وتنظيمية بامتياز، لكن المشكلة تكمن في إرادة الرّسمي الراغب بأن لا يظهر منكسرا أمام الضغوط، كي لا يفتح العيون المُغْمَضَة على حقوقها، لتنهج ذات النهج، وهو ما يشكل مصدر قلق حقيقي، للذين استمرؤوا هضم الناسِ حقوقهم، ردحا من الزمن، لصالح طبقات الفساد الرّكامية في مؤسسات صنع القرار.
المزاعم التي يتكئ عليها المستبد الرسمي كعادة كل المستبدين، أن المطالب سياسية، وأن النقابة مختطفة بيد الإسلاميين الذين يريدون لي ذراع النظام، في ظل التخبط الذي تمرّ به المنطقة، وهذا محض افتراء، لأن المعلمين يتحدّون أصحاب هذه الأصوات على الملأ، في مناظرة علنية، تضع النقاط على الحروف، وهذا ما يهرب منه الطرف الرسمي، ويُصِرُّ على تصدير رواية واحدة للمشكلة، عبر وسائل إعلامه، تُمثل روايته المكذوبة، وهذا ما مارسه وزير التربية عشية الاثنين على تلفاز الحكومة!!
عندما يدعو رئيس الوزراء الأهالي لكسر الإضراب، فهو لا يختلف كثيرا عن السيسي الذي طلب تفويضا شعبيا من الشعب المصري لقتل النصف الآخر، مع أنهم أصحاب الحق، ولكن عادة المستبدين أن يفتروا ويكذبوا!!
إنه يدعو باختصار إلى الفوضى المجتمعية متناسيا أن ربع الطلبة هم من أبناء المعلمين، لأن أبناء الذوات من أمثاله لا ينحدرون ليدرسوا في مدارس عامة الأردنيين، وإنما يدرسون في مدارس خاصة أو أجنبية، فلا بأس أن يكسّر الفخار بعضه، ومعاليه يتفرج!!
عندما يشكر وزير التربية المعلمين الذين التزموا بالدوام وتدريس الطلبة، ويصفهم بالشرفاء، ثم يهاجم المضربين، ويحرض عليهم الأهالي والإعلام، فإنه عمليا يتهم الـ 70% من المعلمين المتبقّين بأنهم ليسوا شرفاء ولا وطنيّين، ولا أدري بعد هذا أي حظ بقي للوزير من مسمّاه، ومن مصداقيته، وما الوصف الذي يمكن أن نصفه به، وقد نزعَ بسقطة لسانه عن نفسه صفة التربية، لصالح التعبية والتحشيد والتهريج!!
عندما يتوجه الإعلام المأجور بالتحريض من جديد في عشرات المقالات، لطعن المعلم وتجريحه، وهدر كرامته وتشويه صورته، ماذا بقي لنا من منظومة التربية التي نتوكأ عليها، وقد مسختها سياسيات الوزارة المتعاقبة عمدا مع سبق الإصرار!!
عندما يتبجح الإعلام متّكئا على توجيهات سعادة الوزير، وجهات ذات علاقة!! فيُحمّل النقابة مسؤولية الفشل التعليمي الذّريع، الذي مُنيت به التربية، سواء في حجم الأميين في الصفوف الأساسية والثانوية، أو في عدد المدارس التي لم ينجح فيها أحد، نكون في حظيظ أخلاقي غير مسبوق، خاصة إذا علمنا أن نظام النقابة الذي فصّلته الحكومة على مقاسها، يمنع مجلس النقابة من دورها في تحديد أسس التعيين أو الرقابة على المناهج أو التدخل في السياسات التعليمية!!
إن المسؤولية المباشرة في كل هذه الكوارث تقع على عاتق الحكومات المتعاقبة، التي نخرها الفساد حتى النخاع، وأكلت المحسوبيَّات فيها أصحاب الكفاءات، وأقامت برامجها على أكتاف النفاق والتملق والشّلليّة وتبادل المنافع، ثم هي اليوم تنسبها كذبا لنقابة عمرها ثلاث سنوات، يجردها النظام من دورها الأساسي في تجويد التعليم، ويحصره في رعاية شؤون المعلم وتحصيل بعض من حقوقه المسروقة ،ثم تنقلب الحكومة بعد هذا على هذا الحق، لتجرد النقابة من جوهر وجودها ، وتعيب عليها حرصها على كوادرها، وسعيها في همومهم، وتُحمّلها مسؤولية الإضراب، بعد 40 فعالية ورسالة وإنذار، وثمانية أشهر من التعنت والمماطلة!!
المعلمون أدركوا حقوقهم، ولن يتراجعوا عنها قيد أنملة، ولا تُخيفهم تلويحاتُ البعض بحلّ النقابة، فهم قادرون بوعيهم وإرادتهم على حمايتها، والمحافظة عليها، كما انتزعوها من قبل، رغم أنوف تورّمت بالعنجهية، وما زالت ذاكرتهم حية، وقلوبهم نابضة بالحياة، وهم اليوم يرفعون مشعل الوعي والتنوير والتبصير بالحقوق، ويعطون الدرس الكبير لطلابهم ولأولياء الأمور، في جرأة أصحاب الحق وأدبهم، ويشيعون في المجتمع ثقافة الحق والواجب، ولن ينكسروا لضغط، أو يتراجعوا أمام سفاهة.
فليدرك أصحاب القرار ذلك، وليُعجّلوا في حل الأزمة، فرِهانهم على تطويع العملاق خاسر، وأمنياتهم في هذا السبيل عاثرة!!