لم تكن الحكومات الأردنية على مر تاريخها بالقوة التي كانت عليها زمن حكومة عبدالله النسور، وهذا من باب التجني على الحكومات السابقة، وعلى النسور في نفس الوقت، فالرجل الحكيم أشيب الرأس، هادئ الطباع، لين الحديث، يستطيع بهمساته الهادئة إخراج الأردن من الانهيار المالي على حساب فقراء البلاد، بدون أن يسقط به كرسي الوزارة، متكلاً على الله وعلى الهمة الشخصية والكاريزمية الخاصة التي يتمتع بها، ففريقه الاقتصادي لم تتسع له حافلة الوزارة عند تشكيلها، فتركه دولته وشق غمار الساحة الاقتصادية بدونه، واتخذ من القرارات الاقتصادية انفعها لديمومة الجلوس على الكرسي الدوار على الدوار الرابع، فالمكاسب تعظم بزيادة المخاطرة، وتسلح دولته بوزير خارجية لا يتلقى التعليمات منه، وبوزير داخلية أفكاره ومعتقداته عسكرية، وتسيطر نزعة القيادة على قراراته ولا يرى نفسه مرؤوس، ورغم الملاحظات على عدم الانسجام بين هذه الكراسي الثلاثة، إلا أن دولته لا يستشعر بأي خطر من أي فرد من أفراد فريقه الوزاري، ولا يشكل أي منهم مصدر تهديد على كرسيه في الوقت الراهن.
كما ويعمل دولة الرئيس في أجواء سياسية يسيطر عليها الحذر والترقب، فالاضطرابات الخارجية التي تعاني منها دول الجوار، أشغلت الأردنيين وصرفت انتباههم عن الحكومة، وسياساتها، ومصير البلاد، وانكفئوا إلى التركيز على توفير متطلبات المعاش، وتحمل قرارات الحكومة كيفما كانت، ومجلس نواب ليس أكثر من ماكياج لسلطة مستبدة، ومستشار لا يشار، همه الصراع على كرسي الرئاسة، واعتلاء كراسي رئاسة اللجان في المجلس النيابي.
وإذا كان دولة النسور يسحر النواب في بيانه، فقد ولدت وزارته شبيها له، وهو معالي وزير التربية والتعليم، هذا الرجل الذي أشبعنا تنظيرا بالمثالية، والتغني بالخدمات التي تقدمها الوزارة لخدمة العملية التعليمية، وبالجهود العظيمة المبذولة للرقي بالعملية التعليمية في البلاد، وانه سيصحح مسار التعليم، وابتدأ معالي الوزير بالمرحلة النهائية من مخرجات وزارته التعليمية، وراقب امتحانات التوجيهي لدرجة أثبتت انتكاسة القطاع التعليمي، في كل البلاد للسنوات السابقة بالدليل والبرهان، وصفقنا لمعالي الوزير وفرحنا بان جاء للوزارة من يعيد لها اعتبارها، حتى صدمنا بحادثة ما كان لها أن تحدث في زمن التنظير، وكبوة ما كان ليكبوها معالي وزير التربية والتعليم، وهي أن بعض طلبتنا الذين يحرص معالي الوزير على تأمين الظروف المناسبة لهم في مدارس وزارته، لا يجدون مقاعد يجلسون عليها في الحصص المدرسية داخل الغرف الصفية، وأنا أتحدث عن مدرسة واحدة فقط، واثبت ذلك بالمشاهدة والكشف الميداني، ولكن ما ينطبق على هذه المدرسة ممكن أن ينطبق على غيرها من المدارس، فأقول لحكومتنا الرشيدة ممثلة بمنظريها وبلغاء الخطابة فيها، أن حل مشكلة المقاعد الدراسية في مدرسة بنات نايفة الثانوية، التابعة لتربية عمان الرابعة، أجدر بالاهتمام من النظر بحل مشاكل التحالف الدولي على داعش، فالحكومة التي تعجز عن تحقيق الاحتياجات الأساسية هي عاجزة عن أن تحقق النجاح، وكثير عليها أن تتغنى بصناعة الأمجاد.
kayedrkibat@gmail.com
كايد الركيبات