إن حالة السيولة الراهنة الواضحة في إدارة العلاقات الدولية ليست نتاجا لنهج الانسحاب الأمريكي الذي تبناه أوباما، بحسب ما يروج منافسوه الجمهوريون حاليا، بقدر ما هي نتاج فشل الولايات المتحدة في تأسيس نظام عالمي مستقر أحادي القطبية.
بل إنه يمكن القول إن تأسيس نمط قيادة دولية أحادي القطبية، بمعناه الإمبراطوري التقليدي، بات مستحيلا في عالم اليوم الذي باتت قضاياه أكثر تعقيدا وتنوعا وانتشارا من قدرة أي قوة دولية علي ضبطها منفردة.
ومن دون الدخول في الجدل التاريخي، الذي تصاعد منذ مطلع التسعينيات من القرن العشرين، حول ضرورة تأسيس النظام العالمي الراهن علي أسس قيمية إنسانية، أم علي أساس منظومات المصالح وعلاقات القوة المجردة، فقد ثبت أن النهج الإمبراطوري الأمريكي قد أثبت فشله في توفير تفاعلات نظمية مستقرة في عالم اليوم.
لقد كان التدخل الأمريكي في حرب الخليج (تحرير الكويت)، والوجود العسكري الثابت للقوات الأمريكية علي الأراضي السعودية، كانا السبب الرئيسي في هذا التحول، حيث عده بن لادن مؤامرة أمريكية لتأسيس قواعد ثابتة للقوات الأمريكية، ولإقرار الهيمنة علي البلدان الإسلامية، ونهب مواردها النفطية.
أعلن الشيخ أسامة بن لادن عن عدائه الصريح للولايات المتحدة، حيث دعا إلي مقاومة العدو الذي غزا أرض الأمة، ودنس شرفها، وأراق دماء أبنائها، واحتل مقدساتها، ورأى بن لادن في نهاية عا م 1995 أن الجهاد الأممي هو الأداة الوحيدة الفاعلة في صد الهجوم الأمريكي، وإجباره علي الخروج من الأرض العربية والإسلامية، وفي نهاية التسعينيات أعلن تأسيس الجبهة الإسلامية العالمية لقتال اليهود والصليبيين.
عارض أسامة بن لادن طيلة فترة الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي قتال المسلم للمسلم تأثرا بأفكار أستاذه عبد الله عزام الذي عارض إراقة دماء المسلمين، بمن فيهم الحكام القوميون، لأن التوجه إلي العدو القريب فيه إضرار بالجهاد والمجاهدين.
إذ يؤدي إلي تنفير الناس من الحديث عن الجهاد، وخسارة تعاطف الرأي العام وذكر بن لادن مرارا أن الجماعات المجاهدة التي أصرت على البدء بالعدو الداخلي قد تعثرت مسيرتها، ولم تحقق أهدافها كإخوان سوريا، وليبيا، والجزائر.
وليس أدل علي ذلك من قصة الخلاف الحاد الذي نشأ بين بن لادن مع أبي مصعب الزقاوي، قائد تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين، حول طبيعة العمل الجهادي وأولوياته في العراق، ففيما رأى الزرقاوي ضرورة التركيز علي قتال طوائف الردة، كان لـ بن لادن رأي آخر، حيث دعا إلي التركيز على قتال المحتلين، قياسا علي تجربة الصومال، وإدراكا لحساسية سقوط الجندي الأمريكي في المعركة، قياسا بسقوط العراقيين، بصرف النظر عن قربهم أو بعدهم عن خيارات الاحتلال، حيث لم ير بن لادن فائدة من القتال المشار إليه من قبل الزرقاوي، الذي كان يعني قتال كل الجهات التي تعمل مع الاحتلال الأمريكي.
اشترط الزرقاوي موافقة بن لادن علي أولوية قتال طوائف الردة شرطا للبيعة، وفي حال عدم تحقق الشرط، فإن الخيار هو التعاون على الخير، والتعاضد على الجهاد، أما الجيل الثالث من تنظيمات العنف، فقد آثر قتال ومهاجمة العدو القريب، ممثلا في حكومات الدول العربية والإسلامية، مثل جماعة أنصار بيت المقدس في مصر، أو مهاجمة العدوين معا (القريب والبعيد) مثل تنظيمي داعش وجبهة النصرة ، وبوكو حرام.
وإذا كان أنصار الجيلين الأول والثاني قد قاتلوا العدوين القريب والبعيد، أملا في قيام دولة الإسلام، كهدف بعيد المدى، فإن التنظيم الرئيسي في الجيل الثالث للعنف وبعض التنظيمات الأخرى يرى أن وقت إعلان دولة الخلافة الإسلامية قد حان ولا بد من تحقيق هذا المراد مسخرين بذلك كل قواهم البشرية وامكانيتهم المادية واستدراج المجاهدين من خلال وسائل الإعلام المرئية والمسموعة في كافة أنحاء المعمورة.
بينما قد أعلن المنظر الجهادي أبو محمد المقدسي بيانا من محبسه في الأردن، انتقد فيه البغدادي، وقال إن فتواه بضرورة طاعة كل المسلمين له إنما تؤدي إلي المزيد من سفك دم المسلمين، وتبث الفرقة والتنابذ بين الجهاديين، وبث كذلك أنصار الظواهري فيديو يشار فيه إلي مبايعة أسامة بن لادن للملا عمر، زعيم حركة طالبان، ووصفه بأمير المؤمنين، وكان الهدف من ذلك تأكيد أن القاعدة وفروعها ملتزمة ببيعة الملا عمر.
كما أعلن تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي ولاءه للظواهري، وانتقد دولة البغدادي التي لم تبحث عن دعم كبار قادة الجهاد مثل الظواهري، والملا عمر الذي ضحي بدولة كاملة، وهي أفغانستان، من أجل مجموعة صغيرة من المجاهدين، من بينهم أبو مصعب الزرقاوي، مؤسس الدولة الإسلامية في العراق، كما أشار أبو محمد الجولاني، زعيم جبهة النصرة في سوريا، إلي أن خلافة البغدادي باطلة، وتدفع إلى القتال بين المجاهدين.