ضرب المعلم هاني الخوالدة من مدرسة حيان الرويبض/المفرق مثالاً رائعاً في الانتماء الحقيقي للوطن عندما قام بقصارة جدران مدرسته؛ توفيراً لنفقات آثر أن تُصرف في وجوه أخرى لصالح الطلبة والمدرسة.
هاني الخوالدة –طلب عدم تصويره- ولكن زملاءه أصروا ونشروا الصور، ليوجهوا رسالة لمن يهمه الأمر، أن هاني الخوالدة ليس مثالاً شاذاً، بل مثله عشرات الألوف من المعلمين الذين لا يقلون عنه انتماءً وإخلاصاً وعطاءً كل في ميدانه ومجاله وما يحسنه ويستطيعه.
هاني الخوالدة بعمله هذا يوجه صفعة لكل من كال التهم جزافاً للمعلمين إبان إضرابهم الأخير، يوم تكالب عليهم بعض المسؤولين والكتاب ووجوه القوم وقلة من المواطنين، واتهموهم بالخيانة، وطعنوا في وطنيتهم وإخلاصهم، واستكثروا عليهم أن يُطالبوا بحقوقهم المسلوبة، وجيَّشوا عليهم، واستعدوا، وحمَّلوهم مسؤولية الفساد والخيبات وتردي التعليم، ولولا بقية من حياء لاتهموهم بالنكبة والنكسة وضياع الأندلس.
هاني الخوالدة حرَّكته غيرته على مدرسته، وحرصه عليها، وحبه لها، ووطنيته الخالصة الصادقة الحقيقية، في حين يستنكف عِليةُ القوم أن يقوموا بواجبهم المنوط بهم، ولا يحركون ساكناً إلا إن ضمنوا الأعطيات والمنح والمكافآت. أما هاني وأمثاله فالوطنية عندهم عمل لا شعار، والانتماء عندهم تضحية وإقدام لا غناء وحداء وادعاء.
هاني الخوالدة ليس وحده، فمثله نماذج لا تُعد ولا تُحصى، ولكنها تعمل بعيداً عن الأضواء، تعمل بصمت وهدوء، فهي لا تبحث عن شهرة أو سمعة ، ولولا أن أصرَّ زملاء هاني فصوروه لما سمعنا به وما أصبح علماً ونموذجاً يشار إليه بالبنان.
هل سمعتم عن مشرف التربية المهنية محمد أبو دولة الذي يحمل عدته أينما ذهب في أثناء تجواله على المدارس، فيصلح ما يجد من عطل وخلل قدر استطاعته، يصلح الأبواب، والتمديدات الكهربائية، وتوصيلات المياه وغيرها. دون أن يكلفه أحد أو يطلب منه أحد، ودون أن ينتظر مكافأة من أحد؟
هل سمعتم عن مديرة ومعلمات مدرسة الطافح للبنات/الزرقاء يوم اضطرت آذنة المدرسة الوحيدة لأخذ إجازة طويلة، فحللن جميعاً مكانها في تنظيف المدرسة والعناية بها، والقيام بواجب ضيافة زوار المدرسة من الأهالي والمجتمع المحلي ومديرية التربية؟
هل سمعتم بمئات المدارس التي يقوم معلموها بتنظيفها وشطفها ودهانها كل عام، ويقوم بعض معلميها بصيانة المقاعد والتمديدات الكهربائية والصحية تطوعاً وحباً لمدرستهم؟
هل سمعتم أن معظم المعلمين يقومون بتصوير الامتحانات وأوراق العمل والخطط والأنشطة على حسابهم الخاص، ويشترون المعززات لطلبتهم على حسابهم الخاص، ولا يترددون بنقلهم إلى المستشفيات وأقسام الطوارئ عند اللزوم، ويقومون بتوصيل طلبتهم إلى بيوتهم تطوعاً في أثناء المطر والبرد والحر؟
هل سمعتم عن معلمات ومعلمين يدفعون أسهم المقاصف المدرسية عن جميع طلبتهم الصغار، من جيبوهم الخاصة، كي لا يكسروا بخاطر أي طفل عند توزيع الأسهم والأرباح في نهاية العام؟
هل سمعتم عن معلمين يشترون لطلبتهم الفقراء ساندويشات في الاستراحة، ويتبرعون من جيوبهم لشراء الملابس والحقائب لهم، ودفع رسوم الثانوية العامة وغيرها.
هل سمعتم أن كل المعلمين والمعلمات يعملون في بيوتهم تصحيحاً وتحضيراً وإعداداً وتجهيزاً، في حين يركن بقية الموظفين إلى الراحة والاستجمام؟
هل سمعتم عن المعلمين الذين يدرسون شعباً يزيد طلبتها عن 70 طالباً، في حين يعجز مسؤول أو يخاف أن يجتمع بعشرين موظفاً؟
هل سمعتم عن آلاف المعلمين الذين يعملون في قرى بعيدة ومناطق نائية، ينفقون جزءاً كبيراً من رواتبهم الهزيلة أجرة مواصلات أو بيوت يسكنون فيها بعيداً عن أسرهم وعائلاتهم؟
هذا غيض من فيض أيها السادة، والنماذج المشرقة المضيئة تستعصي على العد والحصر. فبيئة المعلمين خصبة ثرية، ومعدنهم طيب نقي أصيل، وإن وُجِدتْ نماذج مسيئة بنسبة لا تذكر، فهو الشواذ الذي يؤكد القاعدة!
الإعلام التربوي متفرغ لجولات الوزير والمديرين واجتماعاتهم وتصويرها على أنها فتح مبين، وهي من صميم أعمالهم وواجبهم في حده الأدنى، وهذا الإعلام –للأسف- يصم أذنيه ويغمض عينيه عن الإنجازات الحقيقية، والنماذج المتميزة، والإبداعات الرائعة، والجهود المخلصة.
المعلمون لا يريدون جزاءً ولا شكوراً، ولا يبحثون عن أوسمة أو تكريم، وإنما يريدون تقديراً واحتراماً، وأن يُعاملوا بما يستحقونه دون استعلاء أو استقواء من مدير أو مسؤول. وثقوا تماماً أن كل المعلمين هاني الخوالدة.
فتحية خالصة لهاني الخوالدة وزملاءه في حيان الرويبض، وتحية لكل المعلمين في ربوع الأردن الحبيب، الذين يعملون بصمت دون كلل أو ملل؛ ارضاءً لضمائرهم، وخدمة لأوطانهم، تاركين الضجيج والنقيق للفارغين والطبول الجوفاء، التي ما زادت الوطن إلا عناءً وعبئاً وحملاً ثقيلاً.
Mosa2x@yahoo.com