أول وكالة اخبارية خاصة انطلقت في الأردن

تواصل بلا حدود

أخر الأخبار
الأحد .. أجواء حارة نسبياً الرواشدة يكتب : نريد نقاشاً عاماً؟ الأردن هو العنوان الأردنيون يسمعون دوي انفجار مصدره درعا السورية قصف إسرائيلي على دير الزور والقصير بسوريا ابو طير يكتب : ماذا سيحدث في السابع من أكتوبر؟ غارات عنيفة على الضاحية الجنوبية لبيروت .. وحزب الله يهاجم مواقع للاحتلال (شاهد) خبراء: تقرير البنك الدولي يؤكد أننا نسير في الاتجاه الصحيح ترقب ارادة ملكية اليوم تقضي بتعيين رئيسا للمحكمة الدستورية نتنياهو: عار على ماكرون الدعوة إلى حظر توريد الأسلحة لإسرائيل طرح تذاكر مباراة النشامى وعُمان مركز مؤشر الأداء يصدر بطاقات متابعة التزامات الوزراء الحزبيين حزب الله يعلق رسميا على مصير قياداته بعد قصف الضاحية الجنوبية شهداء وجرحى في قصف استهدف سيارة وسط سوريا الأردن يرحب بدعوة ماكرون وقف تصدير أسلحة للاحتلال الإسرائيلي مجازر مروعة ضد النازحين .. الاحتلال يقصف مدرستين ومسجدا وسط القطاع (شاهد) اليونيسف: 550 وفاة وأكثر من 18 ألف إصابة منذ تفشي الكوليرا في السودان زيارة مفاجئة .. وزير الشباب يتفقد صيانة استاد الحسن ومنشآت أخرى نتنياهو: وعدت بتغيير موازين القوى وهذا ما نفعله الآن الاعلام العبري : الحكومة قررت شن هجوم قوي على إيران مستوطنون يهاجمون قاطفي الزيتون في قرى الضفة بالعصي والحجارة
الصفحة الرئيسية أردنيات الروابدة : مواقف الأردن تعبر عن نفسها دون رتوش...

الروابدة : مواقف الأردن تعبر عن نفسها دون رتوش أو بهرجة إعلامية

26-07-2010 08:31 AM

زاد الاردن الاخباري -

قال رئيس الوزراء الاسبق العين عبدالرؤوف الروابدة ان الساسة في بلدي وهم قلة يتميزون بالصمت واسبابهم في ذلك عديدة فقد دفع الكثير منهم ثمن موقف صريح او تعبير بريء ، اما المحاضر منهم فالاسئلة جاهزة قبل سماعه والادانة مسبقة لا تحتاج لتبرير ، ان صمت متهم وان اكثر من المحاضرات متهم فلا حول ولا قوة الا بالله.

واضاف خلال محاضرة بعنوان "الاردن تاريخ ومواقف" القاها ضمن فعاليات مهرجان الفحيص "تاريخ وحضارة" بحضور الوزير الاسبق حازم الناصر والنائب السابق فخري اسكندر وعدد من الفعاليات الرسمية والشعبية ، ان التاريخ ذاكرة الشعوب فيه اتعاظ بما مضى واستعداد لما هو قادم هو منبع الاعتزاز الوطني ومعين الكبرياء الوطنية تكتبه الامم والدول وتوثقه صيانة له من التحريف والتشويه حتى ان بعض الدول تنحت لها تاريخا وتصطنع ادوارا لحماية كيانها الوطني.. اما الاردن العريق عراقة التاريخ فقد سهونا بقصد او بدونه عن كتابة تاريخه القديم والحديث ، وابراز ادواره وتركنا ذلك لمستشرق صاحب اجندة يحاول اثبات تاريخ الغير على حسابنا ، او لشانئ يتقول على الاردن زورا وبهتانا ، فملأوا الكتب والصحف التي غدت بزورها وبهتانها مصدر معرفة اجيالنا والاخرين بتاريخنا ، فصار يهزنا خبر من شقيق او تصريح من عدو. وفيما يلي نص المحاضرة.

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، ،

سلام الى الفحيص ، الشامة الجميلة على خد الوطن نشامى ونشميات ، ينسجون عباءة الوطن حبا وانتماء وولاء يبدعون في بناء الوطن بالعلم والادب والفن فلهم الشكر والتقدير والعرفان.

الاخوة والاخوات.

يتميز الساسة في بلدي وهم قلة بالصمت واسبابهم في ذلك عديدة فقد دفع الكثير منهم ثمن موقف صريح او تعبير بريء ، اما المحاضر منهم فالاسئلة جاهزة قبل سماعه والادانة مسبقة لا تحتاج لتبرير ، ان صمت متهم وان اكثر من المحاضرات متهم فلا حول ولا قوة الا بالله.

التاريخ ذاكرة الشعوب فيه اتعاظ بما مضى واستعداد لما هو قادم هو منبع الاعتزاز الوطني ومعين الكبرياء الوطنية تكتبه الامم والدول وتوثقه صيانة له من التحريف والتشويه حتى ان بعض الدول تنحت لها تاريخا وتصطنع ادوارا لحماية كيانها الوطني.

اما الاردن العريق عراقة التاريخ فقد سهونا بقصد او بدونه عن كتابة تاريخه القديم والحديث ، وابراز ادواره وتركنا ذلك لمستشرق صاحب اجندة يحاول اثبات تاريخ الغير على حسابنا ، او لشانئ يتقول على الاردن زورا وبهتانا ، فملأوا الكتب والصحف التي غدت بزورها وبهتانها مصدر معرفة اجيالنا والاخرين بتاريخنا ، فصار يهزنا خبر من شقيق او تصريح من عدو.

استميحكم عذرا بالاطالة وهي ليست عادتي ولكنه الموضوع المتشعب واهميته.

الاردن تاريخ ومواقف

جاء في لسان العرب لابن منظور "الاردن هو النعاس الغالب الشديد ، وهو كذلك احد بلاد الشام واسم نهر وكورة في بلاد الشام. وردت كلمة الاردن في المصادر القديمة باشكال متعددة منها: ارادون ، يردينا ، يردينان ، هيردين ، يوردانوس ، يوردانيم ، اما في المصادر العربية فقد ورد اسم الاردن للنهر الذي ينبع من جبل الشيخ ويمر عبر بحيرة طبريا ويصب في البحر الميت. وقد قيل ان معنى الكلمة شديد الجريان لانحداره وكثرة تعرجاته. اصبح اسم الاردن في مرحلة لاحقة يطلق على النهر وعلى الارض التي تقع شرقيه ، وقد اطلق الصليبيون على البلاد شرقي نهر اسم شرقي الاردن uitra jordanen كما كانت احيانا عبر الاردن irans jordan وتشمل بلاد جلعاد وعمون ومؤاب.

استوطن الانسان الاردن منذ العصر الحجري القديم ، وما زالت اثار ذلك العصر بادية للعيان في مناطق الاردن ومن اهمها باير والخناصري وابو صابين وجرف الدراويش والحسا والمصطبة والحمه ، وفي ذلك دلالة على ان البادية الاردنية كانت منطقة خصبة غزيرة الحياة. نشأت بعد ذلك المستوطات الفردية وما زالت اثار بعضها قائمة في عين راحوب ووادي شعيب وعين غزال. وبعد تطور الحياة مورست معتقدات دينية فعبد الانسان الحجارة وانشأ الرجوم والهياكل الحجرية التي بقي القليل في عمان ومؤاب وكفرخل والاغوار ، ومن اهمها رجم الملفوف في جبل عمان الذي يعود الى القرن الثامن او الى قبل الميلاد.

ان وقوع الاردن في مركز يتوسط المشرق العربي جعله حلقة اتصال بين الشرق والغرب وبين الشمال والجنوب في الارض العربية وجوارها ، تشقه العديد من الطرق التجارية التي جعلته محطة الانتقال بين مصر والعراق والشرق الاقصى وبين الشام والجزيرة العربية.

استوطن العرب الساميون الاردن منذ اقدم العصور فقد كان محطتهم الاولى منذ قدومهم من الجزيرة العربية موطن الامم السامية في هجرات متتالية نتيجة ضيق الارض بسب زيادة السكان او نتيجة القحط وانتشروا من الاردن الى بلاد الشام والعراق ومصر كان الرفائيون الجبابرة العمالقة اقدم سكان الاردن الساميين.

شكلت القبائل السامية على ارض الاردن اول ممالك سامية في بلاد الشام وذلك منذ سنة 2000 ق. م والتي لعبت دورا عظيما في التاريخ وهي:

1 - مملكة ادوم في الجنوب وعاصمتها القدس بعيرا وتضم جبال وادي عربة والشوبك والبتراء والطفيلة.

2 - مملكة مؤاب في الجنوب وعاصمتها الربة ، وامتد سلطانها بين وادي الموجب ووادي الحسا واشهر ملوكها ميشع الذي سجل انتصاراته على العبرانيين على حجر ذيبان الموجود حاليا في متحف اللوفر بباريس.

3 - مملكة عمون في وسط الاردن وعاصمتها ربة عمون وهي عمان حاليا وامتد سلطانها من نهر الزرقاء حتى وادي الموجب.

4 - مملكة جلعاد ، وتشمل شمالي الاردن منطقة عجلون ونصف البلقاء حتى مدينة السلط 1 ك ، تلا ذلك قيام دولة الانباط ، فقد قدم الانباط البدو العرب واستوطنوا البتراء منذ منتصف القرن السابع قبل الميلاد فاقاموا دولة حفرت عاصمتها البتراء في الصخر والتي امتدت الى شمالي الجزيرة العربية وجنوب سوريا وفلسطين ، واشتهرت بتجارتها التي وصلت الى ايطاليا والخليج العربي وجنوب العراق وشمالي مصر وكانت حضارتها على درجة عالية من التقدم فاقامت المدن والقلاع والابراج واحتل ملكها الحارث الثالث دمشق وسهل البقاع استمرت دولة الانباط حتى سنة م106 عندما احتلها الرومان في عهد الامبراطور تراجان ، الولاية العربية Provinca Arabia وعاصمتها بصرى.

غزا الهكسوس والاشورويون والبابليون الاردن وتلاهم الفرس الذين شكلوا ولاية عبر النهر مرزبانة عبر نهرا والتي تضم الاردن وفلسطين وفينيقية وقبرص. احتل الاسكندر المقدوني بلاد الشام بعد انتصاره على الفرس سنة 333 ق.م وبعد فرقاته تقاسم امبراطورية قادة جيوشه حضارة مصر وسوريا الجنوبية الاردن وفلسطين جزءا من دولة البطالسه ثم خضع الاردن للدولة السلوفية فتمتع بالازدهار وانتشرت فيه الثقافة اليونانية بنى اليونان العديد من المدن ومنها بيلا طبقة فحل وجيراسا جرش وجدارا ام قيس وايلا التي يعتقد انها قويلبه وديون ايدون او الحصن.

احتل الرومان بلاد الشام سنة 64 ق.م وسموها ولاية سوريا وعاصمتها انطاكية وكانت تضم شمال الاردن اما جنوبه فقد بقي تحت حكم الانباط منح الرومان بعض المدن في الاردن وجنوب سوريا الاستقلال الذاتي فتشكل بينها حلف او اتحاد لا مركزي سمي ديكابوليس اي المدن العشر والذي تكون في البداية من بيسان وطبقة فحل وجرش وام قيس واربد وديون ورفاتا وقنوات وعمان ودمشق ثم اضيفت له مدن قويلبه وبيت راس ودرعا بصرى.

ازدهر الاردن في العصر الروماني وتكاثر سكانه وقام الرومان برصف الطريق السلطاني او الطريق الملكي الذي انشأه المؤابيون سابقا وسموه طريق تراجان الذي يمتد من دمشق عبر حوران وجلعاد ومؤاب ليرتبط بطرق القوافل التجارية الى الجزيرة العربية اصبح هذا الطريق بعد الفتح طريق الحج الشامي ما زالت الاثار البيزنطية الرومانية ماثلة للعيان في مادبا ومكاور وجبل نبو وام الرصاص وقلعة الحلابات وقلعة الازرق.

حول الرومان فلسطين والاردن الى ولاية مسيحية وسموها الارض المقدسة Terra Santa فاخذ سكان الاردن باعتناق المسيحية وشيدوا الكنائس والاديرة والبيع في حبراص وعجلون وام الرصاص في القرنين الرابع والخامس للميلاد.. يجدر بالذكر هنا ان المسيح عليه السلام قد جرى تعميده في وادي الحزار بالاردن كما زار الاردن مبشرا برسالته ووصل ام قيس كما زار الاردن القديس بطرس لنفس الغاية. وفي سنة م400 اصبح لمدينة البتراء مطران مسيحي جاء الى الاردن في هذه الفترة الذين فروا بدينهم وهم اهل الكهف والرقيم الواقع في قرية الرجيب شرق عمان.

تكاثرت هجرة القبائل العربية الى بلاد الشام منذ القرن الاول للميلاد وكانت البداية قبيلة مضجاعم ثم تنوخ وتلتها سيلح وتحالف كل منها بعد ان حل محل سابقتها مع الرومان. انتهى الامر بقدوم قبيلة الغساسنة في مطلع القرن الرابع للميلاد ، التي قضت على قبائل سيلح وتحالفت مع الرومان وتنصرت بعد ان كانت تعبد الاصنام ، واسست المملكة الغسانية وعاصمتها بصرى التي استمرت حتى الفتح الاسلامي وقد بنت العديد من المراكز الحضرية والقصور في الاردن ومنها القسطل والزرقاء واذرح والجرباء ومعاذ القديمة وقصر المشتى وحمام الصرح.

بدأ التحرك الاسلامي نحو الاردن في السنة السادسة للهجرة بعد تكرر الاعتداء على رسل النبي صلى الله عليه وسلم الى ملوك الدول المحيطة بالجزيرة العربية يدعوهم وشعوبهم للاسلام فجرد عليهم الحملة التي خاضت معركة مؤتة سنة م629 (58) وهي اول تماس حقيقي بين المسلمين وبين الرومان وحلفائهم من القبائل العربية رغم نتائج المعركة فقد كانت بوابة فتح الشام اهتم الخليفة ابو بكر الصديق بمنطقة الاردن وقرر فتح بلاد الشام فسير لتلك الغاية اربعة جيوش وحدد مناطق مسؤولياتها من الجنوب الى الشمال على الوجه التالي:

1 - جيش فلسطين بقيادة عمرو بن العاص.

2 - جيش الاردن بقيادة شرحبيل بن حسنة.

3 - جيش دمشق بقيادة يزيد بن ابي سفيان.

4 - جيش حمص بقيادة ابي عبيدة عامر بن الجراح.

كان عبور تلك الجيوش من ارض الاردن وبعد معارك عدة مع الروم في وادي عربة الواقوصة وفحل في الاردن واجنادين في فلسطين جرت على ارض الاردن اكبر معركة وهي معركة اليرموك سنة 636 15( هـ) التي انضمت فيها للمسلمين بعض القبائل العربية المتضررة وادى انتصار المسلمين الى فتح بلاد الشام وطرد الروم منها.

شرع الخليفة عمر بن الخطاب بعد اتمام فتح بلاد الشام بتأسيس ادارة فيها سنة 639 18( هـ) وعين ابا عبيدة عاملا عليها وقسمها الى اربعة وحدات ادارية سميت الاخبار وهي تمتد عرضيا من الصحراء الى ساحل البحر الابيض المتوسط وهي اجناد فلسطين والاردن ودمشق وحمص ثم تلاها جند قنسرين. كان جند الاردن يضم شمالي الاردن وجنوبي سوريا وشمالي فلسطين وقسما من جنوب لبنان وكانت عاصمته طبريا وله ميناءان على البحر هما صور وعكا وكان وسط الاردن وجنوبه جزءا من جند فلسطين.

اهتم الامويون بالاردن طريقا للحج والتجارة واحبه خلفاؤهم مركزا لراحتهم واستجمامهم يقضون فيه بعض فصول السنة فازدهرت مدن الاردن واقيمت فيه القصور والمساجد وازدهرت الزراعة والعمران والحياة الثقافية وصارت عمان وجرش مركزين لسك النقود واقام في العقبة محمد بن علي ابن ابي طالب المعروف بابن الحنفية وصارت مركزا من مراكز علم الحديث.

كانت الحميمة في الشراه بجنوب الاردن مركز الدعوة الاسلامية لوقوعها على طريق الحج والتجارة وبعدها عن انظار دمشق. ادى انتقال مقر الخلافة الى بغداد ومقاومة البلاد للدعوة العباسية الى اهمال العباسيين للمنطقة فتردت احوالها وخرب بعض مدنها واستمر ذلك الى حد ما في عهد الدولة الفاطمية.

احتل الصليبيون القدس سنة م1096 واهتموا بالاردن لانه خط الدفاع الاول عن مملكة القدس اللاتينية ولانه مصدر هام للمواد الغذائية لخصوبة ارضه كما انه يسيطر على طرق القوافل التجارية. احتل الصليبيون الجزء الغربي من الاردن وجددوا قلاع الشوبك والكرك والعقبة واسسوا امارة الكرك. استسلمت المعاقل الصليبية بعد معركة حطين سنة 1187 م على يد جند صلاح الدين الايوبي فاصبح الاردن جزءا من الدولة الاموية التي اقامت القلاع في السلط وعجلون والازرق واسسوا امارة الكرك الايوبية سنة م1229 التي امتد سلطانها ليشمل منطقة الاردن ونابلس والقدس والخليل واصبح للاردن دور سياسي وعسكري متميز كما غدا مركز التوازن بين دمشق والقاهرة.

اهتمت دولة المماليك التي قامت في مصر سنة 1250 بالاردن واولته عناية كبيرة كخط دفاع امامي عن مصر في وجه الفرنجة والمغول فازدهرت المدن الاردنية. قسم المماليك بلاد الشام الى ثماني نيابات او مماليك كبيرة كان منها نيابتان في الاردن هما نيابة الكرك في القسم الجنوبي ونيابة عجلون في القسم الشمالي.

احتل العثمانيون بلاد الشام بعد هزيمة المماليك في معركة مرج دابق بجوار حلب م1516 واتبعوا الاردن لولاية الشام وشكلوا سنجق عجلون سنة م1517 ليشمل المدن الاردنية واجزاء من فلسطين وحوران اهتم العثمانيون بطريق الحج فبنوا قلعتي القطرانة ومعان ودفعوا الهبات لشيوخ العشائر لحماية الحجاج والتجار وانشأوا سكة حديد الحجاز التي وصلت الى عمان سنة 1903 والى معان سنة 1904م.

اهمل العثمانيون منطقة الاردن فانتشرت الفوضى واختل الامن ولما احتل ابراهيم باشا ابن محمد علي باشا حاكم مصر بلاد الشام سنة 1831 قامت في الاردن في عهده حركات تمرد عديدة منها ثورة حوران سنة م1837 وثورة جبل عجلون سنة م1839 ولما اشتد ظلم العثمانيين شهدت ارض الاردن ثورة الشوبك سنة م1905 وثورة الكرك سنة 1910م.

كانت التقسيمات الادارية في منطقة الاردن الحالية في نهاية العهد العثماني سنة م1918 على الوجه التالي:

1 - سنجق عجلون ومركزه اربد ويتبع لواء حوران ويشمل المنطقة من نهر اليرموك شمالا الى نهر الزرقاء جنوبا.

2 - قضاء السلط ومركزه السلط ويتبع لواء البلقاء ومركزه نابلس ويمتد من نهر الزرقاء شمالا الى وادي الموجب جنوبا.

3 - لواء الكرك ومركزه الكرك ويشكل الكرك والطفيلة ومعان.

4 - قضاء العقبة ويتبع لواء المدينة المنورة في ولاية الحجاز.

قامت الثورة العربية الكبرى سنة م1916 بقيادة الشريف الحسين بن علي وانجاله لتحرير العرب من نير حكم ظلم المنطقة العربية التي تردت خدماتها وتراجعت اوضاعها الاقتصادية والاجتماعية والادارية ، وازدادت الامور سوءا في مطلع القرن العشرين عندما تولت السلطة جمعية الاتحاد والترقي التي قتلت المطالبين بالاصلاح ونفذت سياسة التتريك آزر الاردنيون الثورة وصار الاردن مسرحا لمعارك جيش الثورة الشمالي بقيادة الامير فيصل بن الحسين وكان للاردنيين دور بارز في تلك المعارك.

احتل الجيش العربي بلاد الشام واعلن الامير فيصل في 5 ـ 10 ـ 1918 تشكيل حكومة عربية في دمشق لكي تتولى ادارة جميع البلاد السورية وقد تبين ان بريطانيا وفرنسا في سعيهما لاقتسام بلاد الشام قد استغلتا انشغال العرب بثورتهم فتآمرتا معا باتفاقية سايكس بيكو في 16 ـ 5 ـ 1916 لتحديد مناطق نفوذ كل منهما وتلا ذلك تآمر بريطانيا مع الصهيونية العالمية باصدار وعد بلفور في 2 ـ 11 ـ 1917 والذي قطعت بريطانيا فيه وعدا على نفسها باقامة وطن قومي لليهود في فلسطين.

بعيد تشكيل الحكومة الفيصلية اصدر الجنرال اللنبي قائد قوات الحلفاء قرارا في 5 ـ 10 ـ 1918 يقضي بتقسيم بلاد الشام الى ثلاث مناطق عسكرية هي:

1 - المنطقة الجنوبية فلسطين وتتولى القوات البريطانية ادارتها بشكل مباشر.

2 - المنطقة الشرقية سوريا الداخلية بما فيها شرقي الاردن ويتولى ادارتها الامير فيصل ويكون الحاكم العسكري فيها مسؤولا امام اللنبي.

3 - المنطقة الغربية الساحل السوري بما فيه لبنان وتتولى ادارتها القوات الفرنسية بشكل ترتب على ذلك ان اصبحت شرقي الاردن تابعة للادارة العسكرية العربية برئاسة الامير فيصل والتي ابقت على التقسيمات الادارية العثمانية وانسحبت القوات البريطانية من الاردن في 9 ـ 12 ـ ,1919

قرر الامير فيصل عقد مؤتمر يمثل جميع مناطق سوريا الطبيعية بهدف توحيدها فاجريت انتخابات في المنطقة الشرقية تمثل فيها شرقي الاردن بثمانية اعضاء ، وقد قرر المؤتمر في 8 ـ 6 ـ 1918 اعلان استقلال سوريا الطبيعية والمناداة بالامير فيصل ملكا دستوريا عليها الا ان بريطانيا وفرنسا رفضتا الاعتراف بهذه القرارات.

الغت الدولة الفيصلية التشكيلات الادارية العثمانية وقسمت سوريا الداخلية الى ثمانية الويةكان ثلاثة منها في شرقي الاردن وهي لواء الكرك ولواء البلقاء ولواء حوران الذي يتبعه قضاء عجلون (اربد).

عقدت الدول الكبرى مؤتمر سان ريمو في ايطاليا بتاريخ 25 ـ 4 ـ 1920 وقررت منح بريطانيا الانتداب على العراق وفلسطين وشرقي الاردن ومنح فرنسا الانتداب على سوريا وهو التطبيق الفعلي لاتفاقية سايكس بيكو واشترط المؤتمر على بريطانيا الالتزام بقرارات وعد بلفور.

ترتب على رفض بريطانيا وفرنسا الاعتراف بقرارات المؤتمر السوري العام زحف القوات الفرنسية في لبنان على دمشق بقيادة الجنرال غورو وخسر الجيش العربي بقيادة يوسف العظمة معركة ميسلون في 24 ـ 7 ـ 1920 لعدم تكافؤ القوات ودخل الفرنسيون دمشق التي غادرها الملك فيصل فوقعت سوريا تحت الحكم الفرنسي المباشر استبدل البريطانيون الحكم العسكري في فلسطين بادارة مدنية وعينوا الصهيوني هربرت صموئيل مندوبا ساميا ، بدأ التعاون مع الصهاينة لاقامة الوطن القومي فيها.

اصبحت منطقة شرقي الاردن دون حكومة مركزية وكانت القوات البريطانية قد غادرتها في 9 ـ 12 ـ 1919 فغاب الامن واختل النظام واصابها التمزق والفوضى ، ولجأت الى شرقي الاردن قيادات الحكم الفيصلي المدنية والعسكرية والامراء السوريون هربا من بطش الفرنسيين ، وكان معظم القادمين من اعضاء حزب الاستقلال فاسسوا مركزا في عمان انضم له بعض زعماء شرقي الاردن وانتخبوا هيئة ادارية لم يكن من بينها اردني واحد وقد بدأوا بمشاركة اردنية في شن هجمات على الفرنسيين انطلاقا من الاراضي الاردنية.

رفضت بريطانيا جهود هربرت صموئيل لضم شرقي الاردن الى الانتداب مع فلسطين وقرروا اعطاء الاهالي فرصة حكم انفسهم حتى يدركوا مزايا الادارة البريطانية فيصبح الدمج بالاردن مع فلسطين مطلبا وطنيا وقررت ارسال عدد من الضباط السياسيين الى المدن الرئيسية لتشجيع الحكم الذاتي فوصل ضابط بريطاني الى كل من السلط وعمان واربد والكرك وجرش الذين شجعوا انشاء مجلس ادارة في كل من اربد والسلط والكرك وقد سميت هذه المجالس الحكومات المحلية التي استمرت من شهر اب 1920 حتى شهر اذار 1921 يلاحظ ان معان والعقبة لم تكن مشمولة بهذه الحكومات حيث ان الملك حسين بن علي كان قد اتبعها لحكومة الحجاز بعد معركة ميسلون. لم تستطع الحكومات المحلية توفير الحد المعقول من الامن والاستقرار فعمت الفوضى وكثرة النزاعات والاعتداءات والغزوات.

اجتمع عدد من اعيان الشمال بالضابط البريطاني الميجر سمرست في قرية ام قيس بتاريخ 2 ـ 9 ـ 1920 وقدموا له عريضة بمطالبهم تحمل دلالات قومية هامة كان من ابرزها تأليف حكومة عربية مستقلة من لواءي الكرك والسلط وقضاءي اربد وجرش ولواء حوران تحت الانتداب البريطاني شريطة ان يكون لها امير عربي ومجلس ادارة وجيش وطني وحدها الغربي نهر الاردن ومنع الهجرة الصهيونية وبيع الاراضي لليهود ، وافق على المطالب سمرست باستثناء ضم اراضْ خارج شرقي الاردن وسمي الاتفاق "معاهدة ام قيس".

طلبت القيادات الاردنية وشاركها اعضاء حزب الاستقلال السوري من الملك حسين بن علي ارسال احد انجاله لقيادة حركة المقاومة ضد الفرنسيين فاوفد الامير عبدالله نجله الثاني الذي وصل الى معان في 21 ـ 10 ـ 1920 فاستقبله اهلها بحماسة شديدة واعلن انه نائب عن اخيه فيصل ملك سوريا الشرعي فلم يكن هدفه انشاء دولة في الاردن فقد طالبت به القيادات العراقية ملكاً على العراق. ارسل الامير الى زعماء شرقي الاردن للقدوم الى معان فلبى نداءه الكثيرون كما التحق به عدد من الاحرار السوريين واصدر منشوراً الى جميع السوريين انه قادم بناء على طلبهم لمشاركتهم في مقاومة المعتدين وانه سيعود الى بلاده عند جلائهم فلم يلب نداءه الا عدد قليل من الضباط طالبوه بحقوقهم التقاعدية وكان خالي الوفاض يستدين لاطعام ضيوفه وتقف ضده بريطانيا وفرنسا حتى ان مظهر رسلان متصرف البلقاء ورئيس حكومة السلط هدد بمنعه من دخول البلاد ان كان قادماً لاغراض سياسية. اوقف البريطانيون كذلك سير القطار الى معان الا ان قادة الحركة الوطنية اتفقوا مع سائق القطار القادم من درعا على الفرار بالقاطرة الى معان فقام بذلك.

وصل الامير الى عمان في 2 ـ 3 ـ 1921 حيث قدم له الشيوخ والزعماء الولاء والتأييد فاعلن عهد الحكومات المحلية.

قررت بريطانيا عقد مؤتمر الشرق الاوسط في القاهرة بتاريخ 12 ـ 3 ـ 1921 لقيادات في اسيا العربية برئاسة ونستون تشرشل وزير المستعمرات وقد اتخذ المؤتمرات عددا من القرارات من بينها ان تصبح شرقي الاردن مقاطعة عربية تابعة لفلسطين يحكمها حاكم عربي يستمد سلطته من المندوب السامي البريطاني في فلسطين واحتلال شرقي الاردن. تلقى الأمير عبدالله دعوة من المندوب السامي للاجتماع مع تشرشل في القدس ، فاستجاب للدعوة واصطحب معه عدداً من رجالات العرب دون ان يكون بينهم اردني واحد ، وقد عرض الامير توحيد شرقي الاردن وفلسطين او دمج شرقي الاردن مع العراق ، إلا أن تشرشل رفض العرضين وعرض تشكيل حكومة وطنية في الاردن تقدم لها بريطانيا معونة مالية وعسكرية ، شريطة عدم قيام حركات ضد الفرنسيين في سوريا او ضد حكومة الانتداب في فلسطين ، ويكون هذا الاتفاق لمدة ستة اشهر كتجربة فإن نجح استمر والا اعيد النظر به. عرض الامير الاقتراح على مرافقيه فأجمعوا على قبوله وحجتهم أنه بديل عن احتلال الاردن واخراج الامير وارغام الاحرار السوريين على المغادرة بينما لا تملك المنطقة القدرة على المقاومة ، كما ان الاقتراح ينقذ شرقي الاردن من الخضوع للسياسة الصهيونية وهجرة اليهود اذا الحق بالانتداب على فلسطين.

كانت مطامع الصهاينة اعتبار فلسطين تمتد شرقاً حتى سكة حديد الحجاز ، ولذا فقد اعتبروا اتفاق تشرشل مع الامير سلخا للأردن عن فلسطين وتراجعاً في وعد بلفور بتقليص ثلث مساحة فلسطين بزعمهم. احتجت فرنسا كذلك على الاتفاق مدعية ان اختيار فيصل للعراق وعبدالله للأردن ناجم عن كونهما عدوين لفرنسا.

يتبين مما تقدم ان قيام شرقي الاردن كان مبادرة ذكية قبلها الامير عبدالله حين لم يكن يملك الا القليل من المال والسلاح والرجال ، ولولا ذلك لأنشأ البريطانيون ادارة يحكمونها مباشرة ، ولاستطاعت حكومة الانتداب في فلسطين بالتعاون مع الصهيونية الحاق شرقي الاردن بحكومة الانتداب بحيث تشمل الهجرد اليهودية ، لقد وافق الامير على هذه المبادرة الجانبُ العربي الذي رافق الامير ، وادى الامر بالنتيجة الى قيام دولة عربية تمتعت بالاستقلال لاحقا.

قرر الامير عبدالله انشاء ادارة مركزية لمناطق شرقي الاردن فشكل في 11 ـ 4 ـ 1921 اول حكومة سماها مجلس المشاورين برئاسة رشيد طليع وهو درزي سوري وعضوية سبعة وزراء منهم ثلاثة من سوريا واثنان من الحجاز وواحد من كل من الاردن وفلسطين. يتضح من ذلك الصيغة العروبية للحكومة لأن هدف الامير كان اعادة وحدة بلاد الشام وليس اقامة دولة في شرقي الاردن. تعاقبت خلال عهد الامارة 1921 - 1946 سبع عشرة حكومة لم يرأس احداها اردني ، وكان اغلب الوزراء والمسؤولين المدنيين والعسكريين من خارج شرقي الاردن ، فقد كان معظم الوزراء من اعضاء حزب الاستقلال السوري الذين فضلوا محازبيهم في التعيين على ابناء شرقي الاردن.

يؤكد النظرة العروبية للدولة الاردنية ، ان اسمها كان "حكومة الشرق العربي" وذلك من 1 ـ 4 ـ 1921 حتى 13 ـ 11 ـ 1927 الذي تغير بعدئذ الى "امارة شرقي الاردن". كما سمى الامير جيشه "الجيش العربي" وكانت نواته قوة عسكرية من جيش الثورة العربية والجيش الفيصلي ، وبسبب موارد الدولة الشحيحة قررت الحكومة سنة 1923 اسناد قيادة الجيش وقوى الامن الى الضابط البريطاني "بييك"

الذي خلفه "كلوب" حيث كانت تنفق على القوات المسلحة الحكومة البريطانية.

أقرت عصبة الأمم في 24 ـ 7 ـ 1922 صك الانتبداب على فلسطين وشرقي الاردن الذي قدمته بريطانيا ، وكان ينص على ان تكون الدولة المنتدبة مسؤولة عن تنفيذ وعد بلفور.

قام الامير باتصالات ومراجعات عديدة مع بريطانيا ادت الى ان تقدم في 16 ـ 9 ـ 1922 مذكرة الى عصبة الامم تطلب فيها استثناء شرقي الاردن من احكام وعد بلفور ، فوافقت العصبة على ذلك في 23 ـ 9 ـ 1922 ، واعلن هربرت صموئيل استقلال الامارة في 23 ـ 5 ـ 1923 في اجتماع حاشد بماركا ، الا ان ذلك الاستقلال بقي شكليا.

قررت الحكومة الاردنية انشاء ثلاثة ألوية في شرقي الاردن هي اربد والسلط والكرك ، بحيث يرأس كل منها متصرف ، اما معان والعقبة فقد بقيت تتبع الحجاز حتى 25 ـ 6 ـ 1925 حيث عقد اتفاقية بين ملك الحجاز علي بن الحسين وبين الامير عبدالله تقضي بانضمام المنطقة لشرقي الاردن فأضيف لواء رابع هو لواء معان.

كانت توجهات الاردن عروبية صافية ، تأخذ الاولوية والسبق على توجهاته الوطنية ، وتحمل الاردنيون نتائج هذه التوجهات عن طيب خاطر بالرضى والتأييد فقد كان الهدف اقامة كيان سياسي واحد لبلاد الشام (سوريا الكبرى) او لبلاد الشام مع العراق (الهلال الخصيب). استهلك هذا الدور جهد السياسة الاردنية كما استهلك مقدرات البلاد جميعها من منطلق قومي لم يتقدم عليه أي دور آخر. أدار العروبيون الدولة الاردنية في اجهزة الحكم والتربية والتوجيه الوطني ، وترتب على ذلك عدم قيام تنظيمات حزبية حقيقية ، وطنية اردنية ، قطرية الطابع ، كما شهدت ذلك الاقطار العربية الاخرى ، وانما كانت التنظيمات في الاردن روافد للتنظيمات السياسية على الساحة العربية ، ولم تبرز تبعا لذلك هوية وطنية التي نظر اليها القوميون في البلاد الاخرى بعد ان أدانوا القطرية فسموها الخصوصية الوطنية.

رتب موقع الاردن عليه دورا استثنائيا لوقوعه في مركز الشرق العربي بين ثلاث دول عربية كبيرة وقوية ومستقرة ، لم تكن على وفاق سياسي ، وشكلت من حين لآخر محاور سياسية تختلف وتتفق مع الدول العربية الاخرى ، ولها اهتمامات قطرية واقليمية ، وكان على الاردن دائما ان يتكيف للتعايش مع الوسط الذي يحيط به ، مع ما يستتبع ذلك من اتفاق حينا واختلاف حينا آخر ، فتميزت السياسة الاردنية على الدوام بالوسطية والاعتدال والدعوة للتضامن العربي ولو كان ذلك على حساب المصالح الاردنية ، وكظم الغيظ عن اي اتهامية او اختراق وصل حد اغتيال بعض قياداته. كما ترتب على الموقع الجغرافي كذلك ان يضم المجتمع الاردني اعراقا واجناسا واصولا عديدة ، الامر الذي يجعله الاكثر حساسية بين اشقائه العرب للتأثر بالاحداث على أي ارض عربية قريبة او بعيدة ، مؤيدة للاردن او مناوئة له.

والى الغرب من الاردن على الضفة الغربية لنهر الاردن فلسطين العربية ، وهي الاقرب للاردن من حيث التاريخ والجغرافيا والحدود والعلاقات والمصالح والتداخل السكاني. ان هذا الترابط العميق عريق في التاريخ يمتد الى تصدي الممالك الادومية والمؤابية والعمونية للغزوة العبرانية الاولى لفلسطين في القرن الثالث عشر قبل الميلاد. عاش البلدان على مدى التاريخ في اطار دولة واحدة ، وشهدا الدول الغازية نفسها ، وامتزجا في وحدات ادارية عابرة لاقليميهما ، وهكذا نرى التشابه الكبير في العادات واللباس واللهجات والفنون ، والتمازج بين العائلات.

وعى الاردنيون ابعاد المؤامرة على الاردن وفلسطين عندما قرر مؤتمر سان ريمو سنة 1920 منح بريطانيا الانتداب على فلسطين والاردن ، فعقد زعماء شمالي الاردن مؤتمرا في بلدة "قم" بتاريخ 6 ـ 4 ـ 1920 حيث اعلنوا رفض دمج وعد بلفور بصك الانتداب وقرروا الوقوف الى جانب الشعب الفلسطيني بالمال والسلاح واعلان ثورة مسلحة في الاردن وفلسطين ضد الاحتلال البريطاني والتنسيق مع الحركة النضالية الفلسطينية لمهاجمة المستعمرات الصهيونية. ترتب على ذلك المؤتمر هجوم عدد من المجاهدين بقيادة الشيخ كايد المفلح العبيدات زعيم ناحية الكفارات على المستعمرات في سمخ قرب طبريا في 20 ـ 4 ـ 1920 فقامت الطائرات البريطانية بقصفهم واستشهد العديد من المجاهدين وعلى رأسهم الشيخ كايد فكان أول شهيد اردني على ارض فلسطين في العصر الحديث. كما قام رجالات وسط الاردن وجنوبه في 8 ـ 5 ـ 1920 بالابراق الى الحاكم العسكري في فلسطين معلنين تأييدهم ودعمهم لشعب فلسطين وقرارهم المشاركة في مقاومة الهجرة الصهيونية.

تفاعل الاردنيون مع القضية الفلسطينية بشكل بارز ، وعندما تزايدت الهجرة الصهيونية في مطلع العشرينات من القرن العشرين اصبح الاردنيون شركاء في النضال الفلسطيني بالتنديد والمظاهرات والاضرابات وجمع التبرعات رغم اوضاعهم الاقتصادية الصعبة وايصال الاسلحة والمتطوعين وذلك بمساعدة العديد من الضباط الاردنيين رغم قيادتهم العسكرية البريطانية. وعندما اعلن عرب فلسطين اضرابهم الطويل سنة 1936 كان الاردنيون اول من تحرك لنجدتهم فأضربت المدن الاردنية وعمتها المظاهرات واغلقت المدارس وجمعت التبرعات والاسلحة للمجاهدين الفلسطينيين الذين انضم لهم العديد من الاردنيين واستشهد بعضهم على ثرى فلسطين ، وغدا الاردن المعبر الوحيد للثوار العراقيين والسوريين بقيادة فوزي القاوقجي الذين عبروا الى جبال نابلس ، ولما انتهى الاضراب استقبلهم الاردنيون بالترحاب في قرية تل الاربعين واستقبلهم الامير طلال ولي العهد في قرية "قم" ووفرت لهم العشائر الاردنية الحماية حتى عودتهم الى العراق. كما قام العديد من المتطوعين الاردنيين بثورة مسلحة ضد بريطانيا دعما للنضال الفلسطيني وبالتعاون معه ، وقد انطلقت الثورة من غابة برقش في شباط سنة 1939 ، وخاضت معارك عديدة وقطعت خطوط الهاتف وفجرت أنابيب نفط العراق ، الا ان هذه الحركة قد توقفت بعد توقف الاضراب في فلسطين.

لم يأل الامير عبدالله جهدا في تأييد عرب فلسطين بالمذكرات والاحتجاجات وتقديم المعونات وتفنيد المقترحات البريطانية وفي مقدمتها مشروع التقسيم فبين اخطاءه وعرض تأليف مملكة عربية من الاردن وفلسطين ومنح اليهود ادارة ذاتية في المناطق التي يؤلفون فيها اكثرية.

بعد موافقة الجمعية العمومية للامم المتحدة في 29 ـ 11 ـ 1947 على قرار تقسيم فلسطين ، اعلنت بريطانيا الغاء انتدابها وتصفية ادارتها المدنية في 15 ـ 4 ـ 1948 وسحب قواتها العسكرية في 15 ـ 5 ـ 1948 ومنع اي اعتداء خارجي حتى ذلك التاريخ.شكلت الحكومة الاردنية عندئذ سرية من مئتي متطوع اردني من المسرحين من الجيش التحقت في 10 ـ 3 ـ 1948 بجيش الانقاذ في دمشق وتولى الجيش الاردني الانفاق عليها وقاتلت اليهود في قطاع صفد بشمال فلسطين. كما تشكلت سرية من المتطوعين قوامها (150) متطوعا سميت سرية "منكو" اذ كان ينفق عليها السيد ابراهيم منكو ، وقد التحقت بجيش الانقاذ وقاتلت اليهود في القدس. وتشكلت سرية ثالثة من (60) مجاهدا من جماعة الاخوان المسلمين في الاردن بقيادة عبداللطيف ابوقورة وممدوح الصرايرة تمركزت على جبل الرب المطل على قرية عين كارم. كانت هذه السرايا بالاضافة الى مجموعات من المناضلين من القبائل الاردنية.

وفي حرب 1948 شارك الجيش الاردني بفاعلية الى جانب الجيوش العربية على الرغم من شح موارد الاردن وضعف قدراته المالية والعسكرية واعتماده على بريطانيا في معظم متطلباته.

بذل الاردن دماء جنوده وضباطه ومتطوعيه في معارك الشرف التي خاضها على ارض فلسطين. وقد قرر العرب تسليم القيادة للملك عبدالله الا ان القرار كان شكليا فلم تتح له زيارة او تفقد اي وحدة عسكرية عربية. لم تستطع الجيوش العربية تنفيذ واجباتها فوقع العبء الرئيسي على الجيش الاردني ، ولما قام الجيش الصهيوني بعد الهدنة الثانية في 18 ـ 8 ـ 1948 بقطع خطوط اتصال القوات المصرية في الخليل وبيت لحم تولى الجيش الاردني فك الحصار عنها وحماية الخليل وبيت لحم اللتين كانتا من مسؤولية الجيش المصري.

ترتب على الحرب ان فقدت الجيوش العربية جميع الاراضي التي دخلتها في 15 ـ 5 ـ 1948 ، باستثناء احتفاظ الجيش المصري بقطاع غزة ، الا ان الجيش الاردني استطاع الاحتفاظ بالضفة الغربية ومدينة القدس الشرقية بعد معارك بطولية على اسوار القدس وفي اللطرون وباب الواد وغيرها. انتهت الحرب بمفاوضات الهدنة في جزيرة رودس التي وقعتها مصر في 24 ـ 2 ـ 1949 ووقعها الاردن في 3 ـ 4 ـ ,1929

كان أثر النكبة على الاردن اكبر منه على اي دولة عربية ، فقد لجأ للضفتين الغربية والشرقية اكثر من نصف مليون لاجىء بينما لم يكن سكانهما يتجاوزون المليون ، وانقطعت الاتصالات بالموانىء الغربية (حيفا ويافا) واصبحت حدود الاردن مع اسرائيل تزيد على (600) كيلومتر في وقت كان فيه الاردن يعاني من قلة الموارد والاعتماد على المعونة البريطانية ، وكانت الاعتداءات اليهودية على القرى الحدودية تدق ناقوس الخطر كل يوم. كان الملك عبدالله يقرأ نتائج الحرب قبل قيامها وحاول توضيح الصورة في حينه وبيان عجز الامة عن المهمة التي تنطحت لها فدعا الى حل متفاوض عليه وأجرى اتصالات مع اليهود بهذا الاتجاه دون تقديم اي تنازل لهم ، ودعا الى قبول التقسيم الا ان المزايدات اوصلتنا الى حالة صار فيها ما دون قرار التقسيم مطلبا عربيا نضاليا ، لكن السياسة الحكيمة جعلت الاردن هدفا لاتهامات ظالمة من الذين لم يحرروا أرضا ، وذلك بهدف الدفاع عن انفسهم والتغطية على تخاذلهم في وقت لم يكن فيه الاردن دولة اعلامية قادرة على عرض الحقائق او تغطية السلبيات او اختراع بطولات وهمية او اسقاط الهزائم على الآخرين.

انقسم عرب فلسطين بعد الحرب الى فريق رأى تشكيل حكومة عموم فلسطين في غزة الا انها كانت ضعيفة وانتهى وجودها الى عمارة في القاهرة ، بينما رأى فريق آخر يشكل الاغلبية ان مصلحتهم تقتضي الاتحاد مع الاردن ، فعقدت اجتماعات حاشدة في عمان واريحا ونابلس نهاية عام 1948 طالبت بالوحدة مع الاردن. ترتب على ذلك اجراء انتخابات نيابية في الضفتين بتاريخ 11 ـ 4 ـ 1950 ووافق بالاجماع على قرار الوحدة على اساس الحكم النيابي. يجدر بالملاحظة ان القرار كان مشروطا بما يلي: "تأكيد المحافظة على الحقوق العربية في فلسطين والدفاع عن تلك الحقوق بكل الوسائل المشروعة وبملء الحق وعدم المساس بالتسوية النهائية لقضيتها العادلة في نطاق الاماني القومية والتعاون الدولي والعدالة الدولية".

لم تعترف اي دولة عربية بتلك الوحدة ، بل عقد مجلس الجامعة العربية اجتماعا حاولت فيه بعض الدول العربية (مصر وسوريا ولبنان والسعودية) طرد الاردن من الجامعة بينما عارضت ذلك العراق واليمن. ولما فشلت المحاولة لأن القرار يجب ان يؤخذ بالاجماع ، فقد تحفظ مجلس الجامعة على الوحدة بقوله "ان الجزء من فلسطين الذي اتحد مع الاردن تابع للتسوية النهائية". يستفاد من قرار مجلس الامة وتحفظ مجلس الجامعة ان الضفة الغربية تعتبر وديعة لدى الدولة الاردنية وانه لا يجوز ان تؤثر تلك الوحدة على التسوية النهائية للقضية الفلسطينية بقبول فلسطيني عربي.

صارت القضية ميدانا رحبا للمنازعات بين الدول العربية ، بينما تحول معظم الفلسطينيين الى لاجئين في الدول العربية يفتقدون حقوق المواطنة ويعاملون بخشية وتوجس بينما كانوا اعمدة الخدمة العامة والتنمية في معظم اقطار العالم العربي ، اما في الاردن فقد اصبحوا ، تبعا لقرار الوحدة ، مواطنين اردنيين وانخرطوا في الحياة العامة شركاء اصيلين في اقامة صرح الوحدة وبناء الوطن.

شهدت الخمسينات من القرن الماضي حراكا فلسطينيا لابراز الشخصية الوطنية الفلسطينية بهدف تحرير فلسطين واقامة كيان وطني فلسطيني مستقل يبرز تلك الهوية. شمل هذا الحراك جميع الاوساط الفلسطينية حيث لا يتمتع الفلسطينيون بجنسية الدولة التي هم فيها. والملفت للنظر ان هذا الحراك قد استقطب الفلسطينيين العقائديين على تعدد اتجاهاتهم وابتدأ سريا ميدانه دول الخليج العربي ثم سوريا ولبنان.

عقد مؤتمر القمة العربي الاول في القاهرة بتاريخ 13 ـ 1 ـ 1964 من اجل القضية الفلسطينية واختار عبدالناصر السيد احمد الشقيري ممثلا لفلسطين. قرر المؤتمر ان ينصح الشقيري بالتشاور مع الدول العربية والشعب الفلسطيني لوضع أسس تنظيم الشعب الفلسطيني للقيام بدوره في تحرير ارضه وتقرير مصيره. كان موقف سوريا انه لا يمكن انشاء كيان دون ارض ، ولذا فان على الاردن ومصر التخلي عن الضفة الغربية وقطاع غزة ، كما تقوم سوريا باعادة منطقة الحمة التي كانت في عهدتها.

ترتب على ذلك انعقاد المؤتمر الفلسطيني التأسيسي في القدس تحت رعاية الملك حسين ، وقد تقرر فيه قيام منظمة التحرير الفلسطينية التي أقر انشاءها مؤتمر القمة الثاني في الاسكندرية بتاريخ 15 ـ 9 ـ 1964 برئاسة السيد الشقيري ، واصبح مقرها في القدس ورفع على المقر العلم الفلسطيني. قامت خلافات جذرية بين الاردن والمنظمة حول تنظيم الاردنيين من اصل فلسطيني على الساحة الاردنية ، الامر الذي يتناقض مع سيادة الدولة على ارضها وشعبها كما يضر بالوحدة الوطنية.

كان الحدث الابرز في هذه المرحلة اعلان حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) عن نفسها كتنظيم فلسطيني نضالي سري والقيام بأول عملية فدائية في 1 ـ 1 ـ 1965 الامر الذي استقبلته الشعوب العربية بالاعجاب والتقدير أملا بالخروج من حالة الاحباط التي كانت تعيشها الامة ، وانخرط فيه العديدون ، وبرزت الشخصية الوطنية الفلسطينية وكسبت اعتراف الشعوب العربية والقوى التقدمية في العالم. غير انه صاحب ذلك محاولات لاستغلال قدسية النضال من قبل القوى الحزبية الايديولوجية وبعض الدول العربية ، فأسس كل طرف

باستثناء الاردن تنظيمه الفدائي الخاص ، وقامت الصراعات العقائدية والمصلحية على ساحة النضال ، الامر الذي استنفذ معظم الطاقات ، وبرزت للنضال اهداف جديدة من بينها محاولة تغيير النظام في الاردن الساحة الوحيدة المتاحة للعمل الفدائي.

جاءت حرب حزيران سنة 1967 بآثارها الرهيبة والتي شارك فيها الاردن بقيادة مصرية ، وقبل العرب وقف اطلاق النار والقرار (242) الا ان التنظيمات الفلسطينية رفضته فازداد الاعجاب بها والانخراط في صفوفها. عقد مؤتمر القمة في الخرطوم اواخر عام 1967 وقرر لاءاته الثلاثة (لا مفاوضة ولا صلح ولا اعتراف) الا انه حصر الالتزام العربي بازالة آثار العدوان وتحرير الاراضي التي احتلت في حزيران 1967 الامر الذي يشير الى اعتراف ضمني بوجود اسرائيل في الاراضي التي احتلت سند ,1948 رفض الشقييري ذلك واستقال وادى الامر بعد مدة الى تولي السيد ياسر عرفات رئاسة المنظمة.

حدثت معركة الكرامة في 21 ـ 3 ـ 1968 نتيجة اجتياز الجيش الاسرائيلي الاردن للقضاء على الفدائيين ، وكانت معركة عسكرية بين الجيشين الاردني والاسرائيلي وانتهت بهزيمة الجيش الاسرائيلي وانسحابه. ابلى الفدائيون بلاء حسنا في تلك المعركة ، واستغلت المنظمة نتائجها اعلاميا بشكل متميز فانضم لفصائلها الآلاف من المناضلين وتعددت الفصائل وانتقلت من الاغوار والجبال الى المدن والقرى الاردنية ، وصاحب ذلك ممارسات سلبية اعترفت بها الفصائل بعدها لاقامة الحواجز والتفتيش والخطف وجمع التبرعات بالاكراه ، وتراخت الحكومات الاردنية الى ان اصبحت عاجزة عن السيطرة ، فاختل النظام العام وتعرضت الدولة للخطر ، زادت الامور تعقيدا بتهميش الحركة الوطنية الاردنية ، وتأسيس العديد من النقابات الجمعيات والهيئات الفلسطينية الصرفة في الاردن فبدأت مظاهر التعصب الاقليمي تسيطر على العلاقة بين طرفي الشعب الاردني الواحد.

بلغت الامور مداها باختطاف الجبهة الشعبية ثلاث طائرات وتفجيرها في مهبط صحراوي شرقي الزرقاء ، فانتهزت الدولة الاردنية الفرصة لحسم الموقف وكانت معركة ايلول سنة 1970 صراعا بين النظام والفوضى ، ولم تكن صراعا بين طرفي الشعب الواحد. ادت المعركة الى انتهاء الوجود الفدائي الفلسطيني المسلح في الاردن والذي وجهته سوريا الى لبنان.

شهد عام 1974 حدثين هامين: كان اولهما انعقاد الدورة الثانية عشرة للمجلس الوطني الفلسطيني في القاهرة في شهر حزيران حيث اصدر البرنامج السياسي من عشرة نقاط أهمها "القبول بقيام دولة فلسطينية على اي جزء يتحرر من ارض فلسطين والقبول بالمفاوضات والحل السلمي دون اسقاط الخيارات الاخرى". اما الحدث الثاني فهو اصرار مؤتمر القمة العربي السابع المنعقد في الرباط عام 1974 قراره التاريخي بالاعتراف بالمنظمة ممثلا شرعيا وحيدا للشعب الفلسطيني ، وقد التزمت الامة بهذا القرار. ترتب على هذين الحدثين ان المنظمة اصبحت المسؤول الوحيد عن جميع جوانب القضية ، ولا شريك لها في هذه المسؤولية رغم وحدة الضفة الغربية مع الاردن ، استمر الاردن بالقيام بمسؤولياته الدستورية عن الضفة الغربية دون اي تغيير لوقوعها تحت الاحتلال ، الا ان هذا الاستمرار صار ميدانا للشك عند المنظمة بأن الاردن يهدف الى القفز عن قرار القمة والغاء تمثيلها الوحيد. وقد قاد ذلك الى توترات عديدة بين الطرفين ، والاخطر من ذلك طرح اسرائيل لمشاريع الوطن البديل والخيار الاردني تعبيرا عن رفضها التعامل مع المنظمة ، بمعنى ان الاردن هو وطن الفلسطينيين ، وان اسرائيل تختار التفاوض مع الاردن على حل القضية ، ولما كان التفاوض يقتضي تقديم تنازلات غالبا ما تكون مرفوضة شعبيا ، ومن يتنازل سيدفع الثمن.

ادى الموقفان ، موقف المنظمة والموقف الاسرائيلي دون اتفاق بينهما ، الى التأثير سلبيا على مستقبل كل من الاردن وفلسطين ، ترتب على ذلك ان اعلن الملك حسين في 31 ـ 7 ـ 1988 قرار فك الارتباط الاداري والقانوني مع الضفة الغربية. لقد صدر هذا القرار اتفاقا مع توجهات المنظمة المدعومة بقرارات القمة العربية ، وهو في واقع الامر التنفيذ الحقيقي لتلك القرارات ، وتثبيتا لمرجعية المنظمة حول جميع جوانب القضية وان الحديث يجب ان يكون معها حول تحرير الارض وتقرير المصير. ايدت المنظمة قرار فك الارتباط ، ولم يصدر عن اي فصيل فلسطيني رفض او اعتراض على هذا القرار بدعوى اسباب دستورية او سياسية.

ايد ذلك القرار جميع القوى والفعاليات على الساحة الاردنية ولم يصدر عنها موقف معلن في حينه يرفض ذلك القرار لأي اسباب. كان أصرح تأييد لهذا القرار ما قاله السيد صلاح (ابواياد) الرجل الثاني في فتح حينئذ في تصريح طويل جاء فيه: "كان فك الارتباط خطوة شجاعة في مصلحة الشعب الفلسطيني ونضاله.

شهدت نهاية القرن العشرين متغيرات اقليمية ودولية كبيرة ، كانت بدايتها اتفاقية "كامب ديفيد" بين مصر واسرائيل ، وابعاد مصر الركن الاساسي في العمل العربي عن الجامعة العربية.

تلا ذلك انهيار الاتحاد السوفياتي والمنظومة الاشتراكية واستفراد الولايات المتحدة بالهيمنة على العالم وانحيازها المطلق لاسرائيل ، وقيام الحرب العراقية الايرانية التي انهكت العراق واضعفت النظام العربي بانحياز بعض الدول العربية الى العراق وانحياز البعض الآخر الى ايران. شهدت هذه المرحلة احتلال اسرائيل بيروت وخروج المنظمة من لبنان وانحصارها في تونس وخلافها مع العديد من الدول العربية ، ثم جاء احتلال العراق لدولة الكويت خلافا لكل المواثيق العربية والدولية وما ترتب عليه من احتلال امريكا للعراق وتدمير قوته وقيام صراعات عربية تفوق في حدتها الصراع العربي الاسرائيلي.

ادت هذه المتغيرات الى ان يصبح الحديث عن السلام مقبولا عند الدول العربية حتى عده بعضها خيارا استراتيجيا. ترتب على ذلك انعقاد مؤتمر مدريد للسلام في 30 ـ 10 ـ 1991 الذي شاركت فيه دول الطوق العربي ، وكانت ولايته تحديد آلية التفاوض المباشر والتفاوض متعدد الاطراف. رفضت اسرائيل حضور وفد يمثل المنظمة ، وكان الحل ان تشارك المنظمة في اطار الوفد الاردني من حيث الشكل ، اما من حيث الموضوع فقد كان وفد المنظمة مشكلا من قبلها بشكل غير مباشر أو معلن ويمثل الضفة الغربية وقطاع غزة.

انتقلت المفاوضات المباشرة الى واشنطن ، وانقسمت الى مسارات ثنائية منفردة عن بعضها ، وقامت خلافات حول التنسيق بين المسارات حتى تصل معا الى النهاية المرجوة ، وهو الامر الذي كان الاردن يصر عليه ، الا ان الوفود لم تتفق على ذلك. كانت القضايا الثنائية في المسار الاردني محدودة ولذا فقد وصل الوفد الاردني الى جدول اعمال مع الوفد الاسرائيلي الا ان الوفد الاردني اصر على عدم توقيع الجدول بانتظار احراز تقدم ملموس على المسارات الاخرى.

عانت المنظمة خلال عام 1992 من مقاطعة الدول العربية الغنية وعانى الاهل في الارض المحتلة من صعوبة العيش وكثرة الانشقاقات الفصائلية ، كما تبين للمنظمة عقم المفاوضات الثنائية في واشنطن. كانت تجري منذ مدة مفاوضات سرية بين الفلسطينيين والاسرائيليين تحت مظلة اكاديمية في العديد من الدول الغربية. رأت المنظمة ان من الافضل تحويل تلك المفاوضات الاكاديمية الى مفاوضات سرية مباشرة في اوسلو بهدف قيام اعتراف متبادل بينها وبين اسرائيل. فوجىء الاردن باتفاق المبادىء في اوسلو الذي جرى توقيعه بين المنظمة واسرائيل في واشنطن بتاريخ 13 ـ 9 ـ 1993 وهنا بادر الاردن في اليوم التالي أي في 14 ـ 9 ـ 1993 بتوقيع جدول الاعمال مع اسرائيل. تلا ذلك توقيع اتفاق غزة اريحا اولا في 4 ـ 5 ـ ,1994

وجد الاردن نفسه في موقف صعب ، فأساس الصراع هو الارض الفلسطينية المحتلة وقد تولت مسؤوليتها المنظمة بقرار عربي وقد وصلت الى اتفاق مع اسرائيل دون علمه او استشارته ، والقوى العربية مشتتة ، فقد وصل بعضها الى عقد سلام مع اسرائيل قبل ستة عشر عاما ، وبعضها قد دمرت قدراتها في حربي الخليج ، والبعض الآخر قد استنفدت ثرواتها في الحربين ، والاوضاع الاقتصادية الاردنية متردية. اصبح الاردن يفقد عناصر قوته التفاوضية اولا بأول ، ولذا فقد اختار الوقت المناسب لانجاز ما وصل اليه المسار الاردني ، فعقد اتفاقية السلام مع اسرائيل في وادي عربة بتاريخ 26 ـ 10 ـ ,1994

استرد الاردن بموجب الاتفاقية حقوقه في مياهه واراضيه المحتلة ورسم حدوده مع اسرائيل دون الاخلال باي من الحقوق العربية حتى انه رفض ترسيم الحدود مع الضفة الغربية ، كما استمر في مسؤوليته عن الاماكن المقدسة في مدينة القدس حماية لها من اتباعها لوزارة الاديان الاسرائيلية ، فقد كانت اسرائيل خلافا لكل الشرائع الدولية قد ضمت اليها مدينة القدس.

أثار البعض تشكيكا بأن الاتفاقية ادت الى تخلي الاردن عن دوره في القضية الفلسطينية ، وهو اتهام مغرض يدحضه القرار الوطني الفلسطيني بالتفرد بالمسؤولية عن القضية والاصرار على رفع اليد عنها ، ودعمت القرارات العربية ذلك التوجه. ان اتفاقية السلام قد حلت القضايا الثنائية وليس لها اي تأثير على الحقوق الفلسطينية ، بل ان الاصح هو ان الاردن اصبح في موقف اقوى لدعم الحق الفلسطيني ، الامر الذي يثبته الواقع يوميا. لم يحل قرار فك الارتباط واتفاق السلام دون استمرار الاردن في دعم الاشقاء في جميع المحافل وبكافة الوسائل المتاحة لتحرير ارضهم وتقرير مصيرهم واقامة دولتهم المستقلة على ارض فلسطين وعاصمتها القدس واعطاء اللاجئين حقهم في العودة والتعويض واليوم وعملية السلام تتردى وتتلاشى يقف الاردن الى جانب اشقائه في فلسطين ومع امته العربية لدعم القضية الفلسطينية واعادة عملية السلام الى مسارها وتوحيد الموقف الفلسطيني بالاضافة الى كسر الحصار على غزة باسلوب واقعي وحقيقي ومنتج.

لقد توسعت في الحديث عن فلسطين لانها قضيتنا المركزية في الاردن نعيش معها ونتفاعل مع احداثها يوما بيوم فعلاقتنا بفلسطين اصيلة ثابتة لا تشبهها ولا ترتقي الى مستواها علاقة اي طرف اخر بها.

اما في مجال القضايا العربية الاخرى فان نشأة الدولة الاردنية الحديثة بقيادة ذات ارث نبوي ورسالة عربية قومية ادت الى ان يكون للمملكة دور فاعل في المجال العربي كداعية للوفاق والاتفاق يرفض المحاور ويتجاوز عن الاختلاف وينأى عن الصراع لا يبالي بالثمن الذي يدفعه في سبيل امته وقضاياه ، كان الاردن على الدوام المبادر في كل المواقف والظروف التي تعيشها الامة والامثلة على ذلك عصية على الحديث كان من اوائل الموقعين على ميثاق الجامعة العربية عام 1945 والتزم بقراراتها وقرارات جميع مؤسساتها كان اول من ايد مصر في مواجهة العدوان الثلاثي عام 1956 وقرر الحسين دخول المعركة الى جانبها الا ان عبد الناصر حال دون ذلك لوعيه بحجم الحرب ودواعيها واهدافها واثارها وقف مع الجزائر طيلة حرب التحرير وكانت اول سفارة في عمان من تبرعات الشعب الاردني وقف مع تونس في ازمة بنزرت ومع المغرب في مسيرته الخضراء لتحرير الصحراء المغربية وقف مع السودان في كل ظروفه واوضاعه وقدم له الدعم والمال وقف مع لبنان بوعي ومسؤولية ودعمه دون حدود في كل الازمات التي تعرض لها وقف مع سوريا في حرب 1973 وسيبقى معها ضد كل تهديد يطالها ناصر العراق في حرب البوابة الشرقية وعندما احتل العراق الكويت عارض الاحتلال ودعا الى حل عربي عاجل لانهائه ليقينه بالاثار المدمرة للغزو الاجنبي وكان قد سبق ذلك الوقوف بصلابة مع الكويت عندما دعا عبدالكريم قاسم لضمها الى العراق وشارك بقواته المسلحة الى جانب بعض الاشقاء وقف مع جميع دول الخليج العربي والسعودية واليمن على الدوام.

هذا هو اردننا العربي الاصيل نشأة وممارسة ، مواقفه تعبر عن نفسها دون رتوش اوبهرجة اعلامية يعمل لخير امته ويفتح صدره لكل عربي ويؤثره على نفسه ولو كانت به خصاصة لا يبالي بالثمن الذي يدفعه نتيجه مواقفه ولا يرده عن دوره انكار معروف او اتهام بالباطل لا يفاخر ولا يمن ، عروبي حتى النخاع يشرف بالصيد من بني هاشم ويعتز بهويته وخصوصيته وقوميته.

 

الدستور





تابعونا على صفحتنا على الفيسبوك , وكالة زاد الاردن الاخبارية

التعليقات حالياً متوقفة من الموقع