كنا مجموعة من الأصدقاء ، بعضهم تولى مسؤوليات حكومية ، نشاهد خطاب جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين الذي وجهه إلى الأسرة الأردنية ، متضمنا روحا ايجابية عالية ، ورسائل مفعمة بالأمل والثقة بالنفس ، والاطمئنان على الحاضر ، والتفاؤل بالمستقبل رغم كل الظروف الصعبة التي تمر بها المنطقة ، والظلام الذي يخيم على الأجواء المحيطة بنا .
ولم تختلف الآراء على تحليل الخطاب من حيث موعده ومضامينه ، لكن بعضنا رأى أن الخطاب يأتي في وقت سادت فيه حالة من التشاؤم ، على خلفية مناقشة مجلس النواب لمشروع الموازنة العامة للدولة للعام الحالي ، فقد أرعبت المديونية وعجز الموازنة ، والانتقادات الحادة للحكومة العديد من الأوساط السياسية والشعبية ، حين بدا الأمر وكأننا أمام أزمة حقيقية ، وأن آفاق التنمية تتلاشى ، وزيادة العائدات من غير جيوب الناس غير ممكنة ، والنفقات الجارية والرأسمالية تدل على أن العجلة تدور في مكانها ، وغير ذلك كثير مما أدى إلى حالة اليأس والريبة والشك .
من هنا جاء الخطاب ليذكر بما قد نسيه كثيرون عن الأسس والثوابت التي تقوم عليها الدولة ، مع أنها أحد أهم عنصرين تقوم عليهما موازنة الدولة ، يقابله عنصر التوقعات الذي يفرض نمطا من التفكير الاستراتيجي القادر على معرفة نقاط القوة والضعف ، والفرص والتهديدات ، ومعالجة الأزمات ، واستشراف المستقبل بصورة واضحة .
ولكنني رأيت رغم أهمية ما رآه غيري ، أن الخطاب يؤسس لمرحلة جديدة ، منطلقها الثقة بقوة الأردن وصموده وثباته في وجه المحن ، وتاريخه الطويل في حمل راية العروبة والدفاع عن الأمة ومصالحها القومية المشتركة ، فقد جاء الخطاب ليؤكد أن هذا الدور مطلوب أكثر من أي وقت مضى ، وأن الأردن عازم على الدفاع عن نفسه ومصالح شعبه ، وعن الأمة على حد سواء ، وأن المعركة في مواجهة الفكر الظلامي والإرهاب هي معركته استنادا إلى تاريخه ورسالته ودوره المحوري .
ومما يعزز وجهة نظري أن المنطقة ما تزال في مرحلة مخاض صعب ، وأنها مرشحة لمزيد من التطورات والتداخلات الإقليمية والدولية ، وأنه لا يمكن للأردن أن يتفرج من بعيد على إعادة رسم خارطة منطقة هو جزء منها ، إن لم يكن هو محور العقل والتوازن الوحيد فيها ، وهو سيفرض دوره حتما لأنه لم يقع في الفخ الذي وقع فيه الآخرون ، وما ينبغي له ذلك ، وقد تمسك بثوابته ، وصان لحمته الوطنية ، وسيادته على ترابه الوطني، وتحمل نصيبه من المسؤوليات الصعبة بالحكمة والصبر والحزم .
وتلك مرحلة ما تزال راهنة ، أمام المرحلة المقبلة التي " تضع الإنسانية كلها أمام امتحانها الأصعب " فهي التي يطالب الملك كل فرد منا الاستعداد لها بمزيد من الإخلاص في القول والعمل ، والثقة بالنفس .
وفي ظني أننا بحاجة إلى تصحيح المصطلحات التي نستخدمها في أدبياتنا السياسية ، لكي نتمكن من إعادة تعريف وضعنا الحقيقي ، بصدق وأمانة وفهم موضوعي ، وكي ندرك مصالحنا الوطنية والقومية والدولية ، وندخل إليها قادرين وفاعلين وفائزين .