تواصلاً مع الحال واستباقاً للمآل تنتظم في الذاكرة سلسلة من القامات التاريخية التي كان لها دور مشهود في استقراء قوانين التاريخ ذات الطابع القهري المفارق لتوقعات البشر وآمالهم وأحلامهم، بهذا المعنى بدأ التاريخ مخاتلاً ومترعاً بالدهاء والمكر .. يعصف بالحالمين ويحد من جبروت المتجبّرين، ويقلب الأحوال رأساً على عقب كانت وما زالت ثمة قناعة تلازمني منذ سنوات طويلة، وتحديداً منذ 11سبتمبر 2001 وهي أن تنظيم القاعدة بكل تفاصيله وتفرعاته في العالم الإسلامي هو صنيعة مخابرات دولية، وأن الجهاديين الحقيقيين داخل هذا التنظيم الإجرامي لا يمثلون 20 % من حجمه الكلي، لا جهاد ولا نوايا حقيقية.. أنصار الله يهتفون الموت لأمريكا وعمرهم ما اعتدوا على أمريكي، والقاعدة يقاتلون أمريكياً وعمرهم ما قتلوا أمريكياً، فقط كلاهما تفرغ لتصفية العامود الفقري للأمة الإسلامية.
لا أشك لحظة واحدة أن قرار قادة دول مجلس التعاون المشاركة في عاصفة الحزم كان أقسى ما أجبروا على تجرعه، ليس لصعوبة تنفيذه، ولكن لأنهم يدركون أن السلاح العربي لا يجوز استخدامه في عمليات عسكرية داخل بلد عربي، والمؤكد أيضا أن حساباتهم قرأت - وإن متأخرا في تعاظم الخطر القادم من وراء حدود المنطقة حتى أصبح خطرا داهما يتهدد جوار اليمن، كما أن استمرار الطفولة السياسية للحوثيين مقرونة بالقوة والغرور فلم يبق للمجلس خيارات مفتوحة كثيرة، وكم كان غريبا أن يقرر (......)إجراء مناورات على الحدود السعودية، فالمشارك فيها ليس جيشا نظاميا، وإجراؤها في تلك اللحظة برهان إضافي على قلة التدبير والافتقار إلى الحكمة وعدم الإدراك لتبعات هذه الأعمال الاستفزازية وفي هذه الظلمة الحالكة واللحظة التاريخية التي نعيشها ترميز مكثّف لذات الحالة الفاجعة التي رآها العلامة إبن خلدون بأم عينيه ومن المؤكد أنها أسهمت في بلورة رؤيته الثاقبة ، فقد عاصر ابن خلدون وباء الطاعون الذي سحق ملايين البشر في العالم، كما تابع سنابك خيول تيمورلنك المغولية العاصفة، وها نحن اليوم أمام وباء الإرهاب المحلّي والدولي متعدّد الحراب والأشكال، وعواصف الغلو والغلواء بأشكالها الحادة وموازاتها المخملية الكاذبة العالمة ذات الصلة العميقة بالأركولوجيا الجغرافية والنفسية للشعوب، وغاية ما يمكن استخلاصه من مقدمته العتيدة أنها عبارة عن نص النصوص الممزوجة من حيث الحوامل الفكرية والعلمية والذوقية، ومن هذه الزاوية بالذات على حكماء العالم العربي اليوم إعادة قراءة ابن خلدون، لنعرف بالضبط أين نحن من قانون التاريخي، وكيف يمكننا مغالبة قوانينه القاهرة بإرادة صادرة عن الحكمة؟.