زاد الاردن الاخباري -
أصرت العروس على أن تظهر في عرسها منتقبة مرتدية فستان زفافها وعُقد القران وعلقت الزينة وشهد العرس لفيف من المدعوين والمدعوات، ولكن في نفس الوقت جلس الرجال منفصلين عن النساء وفجأة دخلت الراقصة بزيها المتعري.
هذا ما حدث في عرس نجل أحد رجال الأعمال بمحافظة الإسكندرية الساحلية، وفق صحيفة "أحداث اليوم" الاربعاء 4-8-2010، وجلس الرجال في قاعتهم الخاصة منفصلين عن النساء.
وأثار ظهور العروس منتقبة والراقصة متعرية الجدل عن التناقضات والازدواجية في المجتمع المصري، وأرجع د. عمار علي حسن الباحث في علم الاجتماع السياسي في حديثه لـ"العربية نت" هذه الظاهرة إلى تآكل الطبقة الوسطى في مصر ومحاولة جذبها عن طبيعتها إلى نقيضين: فإما التشدد والتطرف أو الانفلات والتسيب.
في العادة هناك أفراح إسلامية ترتدي فيها العروس فستانها وهي محجبة ويحيي هذه الأفراح فرق إسلامية لا تستعمل سوى الدف، يغنون أغاني دينية وأدعية مخصصة يزفون بها العروسين، ولكن الظاهرة الجديدة التي بدأت تتنامى في المجتمع المصري هي ظاهرة أفراح المنتقبات حيث تكون العروس منتقبة والمدعوات من النساء منتقبات، ويجلسن في مكان منفصل أو قاعة مغلقة عليهن.
وتحيي حفل الزفاف راقصة ترقص لهن فقط وفي هذه الحالة تكشف المنتقبات نقابهن ويعشن وقتهن بحرية حتى ينتهي العرس. أما فرح الاسكندرية الأخير فقد جمع بين النقيضين حيث ارتدت العروس النقاب وانفصل الرجال عن النساء ورقصت الراقصة للرجال، وحضر هذا الفرح عديد من النجوم والمطربين.
3 قراءات
لهذه الظاهرة التي نشاهدها في مثل هذه الأفراح ثلاث قراءات قرأها لنا د. عمار علي حسن: القراءة الأولى "أن مثل هذا الفرح هو صورة مصغرة من الوضع الاجتماعي الذي نعيشه في مصر، فهناك من لديه تصور للزي يعيده إلى الدين، وهناك مجموعة من الناس غير مؤمنة بهذا التصور عن الزي، ولكن الجديد هو ارتداء العروس للنقاب وهي ظاهرة بدأت تنتشر في المجتمع المصري، فحتى وقت قريب اعتدنا أن نشاهد عروساً محجبة وقبل انتشار ظاهرة التدين كانت العروس لا تظهر إطلاقاً في أفراح الصعيد، حتى إنها لا تظهر في الكوشة، الى أن يظهر العروسان للناس وهما يسيران الى منزلهما بعد انتهاء العرس.
ويضيف حسن: كان المأذون يعقد القران بواسطة وكيل للعروس دون ظهور العروس في مخالفة صريحة لأهم ركن من أركان الزواج وهو سماع موافقتها شخصياً على الزواج، وبعد ذلك ظهرت العروس التي ترتدي الحجاب في ليلة زفافها من منطلق ديني، وأخيراً مع تمدد وتنامي التيار السلفي في مصر ظهر النقاب في الأعراس.
ويتابع: "هذه الظاهرة هي عودة للتقاليد القديمة في عدم ظهور العروس ولكن بشكل أكثر تشدداً ومن خلال تأويلات دينية حاضرة في عقليات المجتمع المصري".
القراءة الثانية حسب ما يقول د. عمار "إن هذا النمط من الظواهر تعبير عن التجاور المستمر بين الحداثة وبين التقليدية في واقعنا المعاصر، فهناك الحداثة المرتبطة بتعظيم الجسد متمثلة في وجود الراقصة ببعض الأفراح الشعبية لطبقة البرجوازية الرثة في فئة معينة من الناس، فنجد في مثل أفراح هذه الطبقة راقصة أو راقصتين على مسرح خشبي يقام أمام كوشة العروسين، وتجد زجاجات البيرة والنبيذ ومخدر الحشيش يوزع بشكل عادي على المدعوين، ويقابل ذلك ابعاد الراقصة في بعض الأفراح الأخرى ويكون التعامل مع الجسد المتمثل في الراقصة محرماً ويحدث هذا في بعض الأفراح العادية والاسلامية، وهذا يدل على انقسام في المجتمع المصري وأنه ليس هناك شيء محدد متفق عليه في هذا المجتمع".
أما القراءة الثالثة التي يراها د. عمار علي حسن في تفسير ظاهرة أفراح المنتقبات "أنها ردة فعل طبيعية على التسيب والانفلات فنجد راقصة في فرح يقابلها امرأة منتقبة، أو عروس منتقبة، وهذا معناه أن هناك تفلتاً في ناحية وتشدداً في ناحية أخرى، ويوحي هذا التناقض بأن المجتمع المصري يفقد وسطيته واعتداله وتسامحه، وأنه أصبح مشدوداً بين الطرفين والنقيضين، وهذا مرجعه الى انحسار الطبقة الوسطى المنوط بها الحفاظ على تقاليد المجتمع وهي التقاليد غير المرتبطة بالدين، وإن كان الدين شكلها بالأساس، ولكنه دين ليس متشدداً وليس مغلفاً بأغلفة التيار السلفي".
ويؤكد د. عمار "أن انحسار الطبقة الوسطى مرجعه الى الحالة الاقتصادية التي نعيشها، فنحن أمام قلة تمتلك وتزداد ثراء وتعمل من أجلها الدولة وفي نفس الوقت أمام أغلبية تزداد فقراً، وبين هؤلاء وأولئك تتآكل الطبقة الوسطى فتظهر مثل هذه الظواهر".
القاهرة - العربية.نت