أمي و أبي .. يا قطعتين من السكر

كيف كنت لأكون لو لم تكونوا أمي وأبي
أنا فلذة أكبادكم وأنتم صنعتم لي المجد المخلد
أنا الطفل الكبير المتمدد على الأرجلي
يا حضني الدافئ يا سؤددي
بدونكم ...لا يوجد صيف ولا شتاء وأصبح كالطير المقدد
أجنحتكم الكبيرة أطير من خلالها للسماء كالطير الذي لا يتعب
وأركب الفلك بلا خوف من الريح فانتم الشراع الذي لا يتمزق
وبدونكم أغدوا كالصقر الذي لا يشرب.وكالأسد الضرير الذي أصبح متعب
أرى وجوهكم كل يوم بابتسامة أطفالي لولاكم لما كنت أب ولا مسعد
لولا مخافتي من الله عز وجل لكنت الساجد المتعبد بعد الله لأبي
أمي يا أيتها الأيقونة ماذا أرضعتني البارحة وهل لحليبك اسم أو بلد
نعم فهو فاكهة الشتاء ورحيق أزهار وطول انتظار وشهور طوال
يا أعظم النساء ويا شبيهة الخنساء ويا أيتها المرأة المثالية
لا يوجد نكهة ولا طعم ولا لحن ولا أغنية بعد صوتكم ساعة الصبحية
رائحتكم لا تشبه العطور المطروحة بالأسواق المحلية
ولكنها هدية الخالق جل وعلى مزجها برائحة أزهار الجنة
تموت الرجال الرجال بعدك يا أبي وتموت النساء النساء بعدك يا أمي
لن أرى ابتسامة رجل أجمل من تبسم فم أبي
ولن اسمع دعاء نقي وترضي بعد همس أمي التي كانت على سجادة صلاتها لله تتعبد
لست ككل النساء الحبالى تتمددي فقد صمت رمضان وأنت حامل بالشهر التاسع بي يا لصومك المتعب
وكنت تقرئين لي آيات من القران الكريم لتتلمذي طفلا بأحشائك كان متلبد
يا من تسببت لك بانقباضات ومن آهات وانحباسات وبرفع ضغط دمك للأبد
وكنت أغافلك أحيانا وأسرق طعامك من حبلك ألصري المربوط بمعدتي
سامحيني على رفساتي الليلية لأحشائك التي استعمرتها لتسعة أعوام متربص
وحرمتك من لذات الطعام والشراب والنوم والتمدد. آه لو لم تكوني أمي لما كنت أنا الآن لأكتب
سامحيني أمي وسامحني أبي إن قصرت بكم يوما رضاكم بالدنيا الأسعدي
أبي يا رفيقي وأخي وصندوق أسراري كم أشتاق للبكاء على صدرك المتعب
كم أشتاق توبيخك لي عن أخطائي وعفرتاتي وقفزاتي وشيطناتي ساعة نومك يا ماردي العتيد
ويا صوت الرعد ويا ضوء البرق بأرضي الجرداء لولا شموخك ورجولتك لما كنت أنا اليوم على ما عليه الآن
كم اشتاق لسماع القصص الخيالية من فمك فكلماتك اليوم تدغدغني من تحت فراشي
وقصائد من الشعر كنت تقرأها لي لأحمد شوقي ونزار قباني والأخطل الصغير وحيدر محمود تدندن الآن على مسمعي
وكم أشتاق لتذوق الخبز من تحت يدين أمي ما زلت اشتم رائحتك بكل رغيف وكل أكلة شهية وشعبية
يا أيتها الفراشة الحديدية دعيني أقبل يديك المتعبتين الآن بالأمس حيكت لي أجمل الثياب الملوكية
وأرضعتني الحب وأسقيتني ماءا طهورا.. وحميتني من شرور اللذات.يا من تحت أرجلك الجنات الأزلية
فكل صباح ومساء أخاف عليكم من الزوال فأذرف الأدمع.
أحببت شعركم الأبيض اليوم وأحببت أولادي اليوم أكثر حين رأيتهم يسبحون بموانئ أحضانكم الدافئة
ويتعربشون على أكتافكم المرهقة ويضيئوا ضحكاتكم الملائكية يا لها من ابتسامات
ما زالت ضحكاتكم تدوي فضائي . ورضاكم ومحبتكم تنير لي سراجي
أنتم ما زلتم تعيشون بجوفي وأحشائي وتضيئوا مواقدي الحجرية ليوم القيامة
لا يوجد بديل لأحضانكم ولا قطع غيار بديلة بعد زوالكم من أجنحة ولا حماية ولا أصوات ولا أغنيات
تزول بعدكم الدنيا فبعد رحيلكم ستنطفئ الأنجم وتحرق الشمس ارضي القاحلة
وتغزوا أرضي كل الطيور الجارحة وتستفحل جسدي وتحرمني من مشربي.
أتمنى الموت قبلكم وأموت وأنا تحت أقدامكم لكسب محبتكم وإرضائكم
أتمنى أن أكون العصا الخشبية بين أيديكم لتتكئوا علي حين تشيبون وتتعبون
أتمنى أن أكون نظارتكم المكبرة لقراءة الصحف اليومية لكم وآذانكم لإسماعكم الأغاني الأصيلة
أتمنى أن أكون مداسكم لإيصالكم محرابكم لإقامة صلواتكم.
سامحوني يوما إن أخطأت أو يوما إذا قهقهت أو يوما إذا تمردت فالأطفال يخطئون وأنتم بطبعكم تسامحون
يا حقول الورد والياسمين والأعناب ويا جداول الماء الغير منتهية اشتقت لكم و لضمي على صدوركم وأكتافكم لكي أبقى أشتم رائحتكم (الجار دينية) السحرية الغير منتهية
لتضفوا علي رائحة زهر التفاح الأخضر وزهرة الليمون الأصفر يا شاي الأخضر ويا كأسين من النبيذ الأحمر

أحبكم كل يوم وكل لحظة أحبكم أكثر.
إهداء إلى كل أم وكل أب علم وربى وكبر . وقبلكم أمي وأبي
أحبوهم واحضنوهم اليوم فهم ضيوفنا اليوم ونحن يوما سنقف مثلهما فلولاهما لما كنا. وأحبوا أولادكم حتى يحبوكم أكثر وكما هم الآن سنكون وربما أكبر.
لا ترفضوا لهم طلب دائما رؤيتهما بكل الأمور ثاقبة ولا تخجل بهما فمن رحمها أنت خرجت وتكونت. ومن صلب أبيك تشكلت... فإياكم غضبهم....... بغضبهم تقفز السماء إلى الأرض.
احرص على إرضائهما فرب العزة يوصيك بهما فكيف نقذف بهم ببيوت العجزة وتذكر يوما بأنك قادم لنفس المكان فلا تقسوا عليهم أكثر حتى يحبوك أولادك أكثر.
أنسيتم بأن الله يوصينا بهم للممات (وبالوالدين إحسانا)
اذهبوا الآن واسرقوا منهم الصور واسرقوا منهم القبلات والضحكات فغدا لا يسمح بالمقابر أخذ الصور ولا قبلات ولا ضحكات.
أحبوهم اليوم وغدا.... تموت الدنيا بعدهم ....وتتكسر جميع الأجنحة بعد زوالهم
سأنهي كتابي الآن لذرف بعض الدموع... و لأنهم اشتاقوا لكم واشتاقوا لضم أولادكم أكثر.
تحية وقبلة لكل أب وأم على أيديهم وعلى أرجلهم وقبلكم أمي وأبي لأني أحبهم أكثر.

هاشم برجاق