زاد الاردن الاخباري -
أعادت قصة الشاب المغربي الذي حبسه أفراد أسرته في إسطبل للبهائم مدة ست سنوات كاملة بسبب "جرأته" على المطالبة المتكررة بحقه في التركة التي خلفها والده المتوفى، أعادت قضية وضعية أواصر الأسرة المغربية إلى الواجهة من جديد.
واعتبر أخصائيون اجتماعيون وتربويون أن العامل المادي ساهم في السنوات الأخيرة بشكل كبير في تفكك وشائج الأسرة المعاصرة بالمغرب من خلال انكسار المشاعر الحميمية التي كانت تميز العلاقات بين أفراد الأسرة الواحدة، ما أدى إلى بروز تصرفات غير لائقة أحياناً بالإنسان السوي.
وتتلخص قصة الشاب عبدالكريم بويمجان البالغ من العمر 23 عاماً، وفق ما ذكرته وسائل الإعلام المغربية أخيراً، في كونه كان يطالب بإلحاح أسرته التي تشتمل على أمه وإخوته بتقسيم الإرث الذي تركه والده منذ سنوات.
وبسبب أن أفراد أسرته كانوا يقتاتون أساساً من هذا الإرث، فقد رأوا في مطالبات أخيهم الذي كان عاطلاً عن العمل بالحصول على نصيبه من التركة أمراً غير مرغوب فيه ويضر بمصالحهم.
ولجأت الأسرة، التي تقطن في إحدى البوادي بضواحي مدينة الناضور شمالي البلاد، إلى تغييب هذا الشاب وعزله عن العالم والمحيط الخارجي بإجباره على العيش في إسطبل للبهائم منذ عام 2004.
وشاء الله أن تنكشف الحقيقة بسماع عابر سبيل لأنين وصرخات هذا الشاب داخل الإسطبل، فسارع إلى إخبار رجال الأمن الذين قاموا بواجبهم وبتحرير الشاب من أسره.
ويوجد عبدالكريم حالياً في مصحة نفسية لتلقي حصص من العلاج النفساني المكثف بسبب الصدمة الكبيرة التي تلقاها، والمعاناة التي قاساها طيلة سنوات ستة بعيداً عن العالم الخارجي جراء طلبه نصيبه من إرث يعد حقاً من حقوقه.
وأعادت هذه الحادثة إلى الأذهان حالات أخرى عرفها المجتمع المغربي كان فيها الإرث العامل الرئيس لارتكاب تلك الوقائع، ومنها حبس شاب مغربي يعمل مهندساً في مدينة الرباط لوالدته في قبو بمنزله أكثر من سنتين بسبب الإرث، أو إجهاز شاب على عمه قبل أيام بسبب قطعة أرض.
تحولات اجتماعية
ويرى الأخصائي الاجتماعي الدكتور عبدالرحيم عنبي أن قدسية الأسرة المغربية بدأت تؤول إلى الزوال، وبأن الأسر الممتدة التي كانت تعتبر صمام أمان ضد التقلبات الاجتماعية داخلها بدأت في التلاشي وحلت محلها الأسر النووية التي تتضمن الأب والأم والأبناء فقط.
ويعزو سبب مثل هذه الأحداث إلى اتجاه المجتمع إلى ما سماه النقدانية، حيث صارت النقود الهاجس الكبير لدى العديد من الأسر، ما أغرقها في نوع من الذاتية والفردانية وتضاءلت روح التسامح والتضامن الأسري.
وبالنسبة للأخصائي التربوي والنفسي محمد صدوقي فإن مثل هذه السلوكيات المنحرفة، بحبس إنسان في مكان منعزل من طرف أسرته، هي نتيجة تربية غير سوية وتنشئة اجتماعية غير سليمة لا توافق القيم الاجتماعية المنظمة لعلاقات الأفراد.
ومثل هذه الجرائم والجنح السلوكية، يضيف الصدوقي، تؤشر على التكوين المعقد للنفس البشرية حيث يعيش لا شعورياً داخلها نوع من "الوحشية" وردود الفعل التي لا تليق أحياناً بالإنسان السوي والقويم.
وانتقد الباحث بدوره ما سمّاه ثقافة الفردية التي هيمنت بشكل طاغ على علاقات الناس ونزعت من الإنسان طابعه الاجتماعي والإنساني الراقي ليتحول إلى كائن كأنه يعيش في عوالم الغاب البدائي.
وكحل لمثل هذه السلوكيات الاجتماعية، يرى الصدوقي أنه من الواجب أن يتحكم الفرد في كل العوامل التي تحفزه على التصرف العدواني غير المنضبط بمقياس الأخلاق والدين، وأن يحاول تفريغ تلك الشحنات العنيفة في قوالب حضارية مقبولة.
أما الدكتور محسن بنزاكور، الباحث في علم الاجتماع، فيعتبر أن العامل الاقتصادي يلعب دوراً حاسماً في مثل هذه التوترات الاجتماعية، وحلها يكمن في ضرورة التحلي بالروح الفعالة والإيجابية التي تنبذ المشاحنات والرغبة في الانتقام والإقصاء.
ويربط الباحث المغربي الحصول على روح متسامية عن الأحقاد بتحقيق توازن نفسي للفرد لا يمكن أن يتحقق بدوره إلا بتوفر سياق اجتماعي ملائم لحياة هذا الشخص.
الرباط ـ حسن الأشرف