زاد الاردن الاخباري -
دخلت ليبيا وإسرائيل في مفاوضات سرية من وراء الكواليس وغير مباشرة طوال أكثر من 5 أشهر مضت، من دون أن يدري بها أحد، الى أن تكشفت تفاصيلها بالإفراج ليل الأحد 8-8-2010 عن الهدف من أول مفاوضات تجري بين تل أبيب وطرابلس الغرب، وهو إسرائيلي أصله تونسي واعتقلته الجماهيرية حين وجدوه يقوم بتصوير مواقع تراثية لليهود في ليبيا، فاحتجزوه منذ مارس (آذار) الماضي وسيعود الاثنين بصحبة وزير الخارجية الاسرائيلي من فيينا الى تل أبيب، بحسب ما ذكرت وسائل اعلام اسرائيلية ونمساوية.
وأول من أذاع خبر الإفراج عن الاسرائيلي رافايل حداد هو "إذاعة اسرائيل" التي قالت في تقرير ملخص إن وزير الخارجية الاسرائيلي أفيغدور ليبرمان تلقى مكالمة من الوسيط في المفاوضات يعلمه فيها أن السلطات الليبية قررت الافراج عن حداد البالغ من العمر 34 سنة، وأنه سينقله بطائرة خاصة من ليبيا الى فيينا، وعلى الأثر غادر ليبرمان مولدوفا التي كان فيها منذ 3 أيام بزيارة خاصة وتوجه أيضاً الى العاصمة النمساوية ليل أمس.
وكان رافايل حداد دخل بجواز سفره التونسي الى ليبيا فعبر حدودها البرية من تونس التي له فيها أقارب، ثم راح في ليبيا يقوم بما كلفه به "مركز آم شالوم" في اسرائيل، وهو مركز يهتم بما تركه اليهود من تراث هنا وهناك، ومن بينها ليبيا التي كان فيها قبل ثورة الفاتح من سبتمبر أكثر من 5500 يهودي غادروها في ما بعد، ومعظمهم استقر في اسرائيل.
وظن رافايل حداد أن الأمور سهلة في ليبيا، فراح يلتقط صوراً لمواقع يعتبرها اليهود تراثية لهم الى الآن، فلاحظوه بسرعة واعتقله رجال الأمن الليبيون حين كان يصوّر أحد المباني وسلموه للمخابرات التي تعرفت الى هويته الاسرائيلية، وسمحت له بالاتصال بأقاربه في تونس من باب التأكد على الأقل بأن له أقارب هناك، فاستغل الاتصال وأخبرهم بأنه معتقل في الجماهيرية الليبية، وهو خبر دب الذعر في نفوسهم فاتصلوا على عجل بعائلته في اسرئيل، ومنها عرفت السلطات الاسرائيلية التي بدأت في الحال معركة مفاوضات صعبة مع ليبيا منذ أول يوم تقريباً.
أوروبا وأمريكا فشلتا ونجح الوسيط النمساوي
اتصل رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو بنظيره الايطالي سيلفيو برلسكوني، فاستخدم الأخير ما له من رصيد ايجابي مع أصدقائه الليبيين، لكنه لم يفلح في إقناع طرابلس الغرب بإطلاق سراحه. كذلك استنجدت اسرائيل بالحكومة الفرنسية فتدخلت قدر الامكان ولم تنجح أيضاً، ومثلها حاولت الولايات المتحدة الأمريكية ومعها منظمات مدنية أمريكية وأوروبية مقبولة النشاط من السلطات الليبية، ولكن من دون طائل، واستنجدت أيضاً بمكتب الرئيس التونسي زين العابدين بن علي، فحاول ولم ينجح، الى أن تذكر وزير الخارجية الاسرائيلي قاسماً في الصداقة مشتركاً من وراء الكواليس بينه وبين الليبيين، وهو المليونير النمساوي مارتن شلاف، فطلب منه النجدة قبل شهرين في وقت كانت ليبيا تهيئ لإرسال سفينة مساعدات الى غزة.
وطوال مفاوضات الشهرين الماضيين بوساطة النمساوي شلاف، وهي كانت "سرية ومعقدة وشاقة" كما وصفتها صحيفة "يديعوت أحرونوت" نقلاً عن مصادر في الخارجية الاسرائيلية، حدث كرّ وفر بين الطرفين متنوع في جميع الاتجاهات، الى أن وصل العراك الى نهايته بإطلاق سراح حداد ولكن من دون وثائقه الشخصية، ومن بينها جواز السفر، فجميعها بقيت في حوزة السلطات الليبية.
وفي المعلومات المنشورة الى الآن أن احدى مراحل المفاوضات غير المباشرة شملت عرضاً تقددمت به ليبيا بأن تسمح اسرائيل بدخول سفينة للمساعدات ارسلتها الى غزة الشهر الماضي مقابل الافراج عن حداد "لكن اسرائيل رفضت العرض" وفق ما ذكرت "جيوزاليم يوست" الاسرائيلية.
وآخر مرحلة في المفاوضات كانت بتبادل الطرفان لعرض تقدمت به ليبيا ووافقت عليه اسرائيل وهو أن تسمح تل أبيب بإدخال 20 بيتاً جاهزاً للتركيب الى غزة، مع ادخال حمولة المساعدات الليبية بعد أن تم ادخالها الى مصر اثر رفض اسرائيل دخولها الى القطاع المحاصر.
وكانت "مؤسسة القذافي للتنمية" التي يرأسها سيف الاسلام القذافي استأجرت سفينة أطلقت عليها اسم "أمل" في منتصف الشهر الماضي وحملتها بـ2000 طن من الأدوية والأغذية كمساعدات للفلسطينيين، فأبحرت من اليونان رافعة علم مولدوفا باتجاه غزة وعلى متنها 7 ناشطين ليبيين ومغربي ونيجيري، اضافة الى طاقمها المكون من 12 شخصاً، لكنها غيرت وجهتها صوب ميناء العريش المصري بعد أن حاصرتها زوارق حربية اسرائيلية في عرض البحر وطالبتها بالابتعاد عن القطاع وهددت بالاستيلاء عليها، وفي الميناء أفرغت حمولتها، ومنه دخلت الحمولة على مراحل بموجب الاتفاق الى غزة.
وتضاربت المعلومات حول الاسم الأول لحداد الشبيه بالشكل وبالعمر الى حد بعيد بإسرائيلي آخر أصله تونسي أيضاً وكذلك اسمه رافايل حداد، وهو رئيس اتحاد الطلبة اليهود في فرنسا، واشتهر في أبريل (نيسان) العام الماضي بكهربة مزاج الرئيس الايراني محمد أحمدي نجاد حين كان يتوجه الى المنبر لإلقاء كلمة في مؤتمر "دوربان-2" لمكافحة العنصرية الذي نظمته الأمم المتحدة بجنيف، حيث ظهر فجأة بين المصفقين في القاعة وقد تنكر بثياب مهرج وبريش ملون وضعه على رأسه وراح يصرخ بنجاد: "عنصري، عنصري" قبل أن ينقض عليه حرس المكان ويقتادوه الى الخارج مطروداً.
ومن غير المعروف حتى الآن إذا كان رافايل هذا هو نفسه الذي أطلقت ليبيا سراحه أم لا، مع أن صحيفة "جيروزالم بوست" الاسرائيلية ذكرت أن اسمه يسرايل حداد، وليس رافايل، في حين ان الاسم ورد رافايل في صحيفتي "هآرتس" و"يديعوت أحرونوت" الاسرائيليتين، كما وفي صحيفة "در كوريير" النمساوية.
أعاد لهم كل ما خسروه في "كازينو أريحا"
وليس معلوماً أيضاً لمن كانت الطائرة الخاصة التي نقلت حداد بعد الافراج عنه من ليبيا الى فيينا التي حط في مطارها الدولي قبل ساعة من منتصف ليل أمس الأحد بالتوقيت النمساوي. لكن السفير الاسرائيلي بفيينا، أفيف شيرون، كان في انتظاره هناك مع أفراد من عائلة المفرج عنه جاؤوا من اسرائيل حين علموا بأنه سيصل الى فيينا، وبعد أقل من ساعة وصل اليها وزير الخارجية الاسرائيلي أفيغدور ليبرمان قادماً بالطائرة من مولدوفا، مسقط رأسه. ومن فيينا سيعود ليبرمان على متن طائرة مستأجرة من الخطوط الجوية النمساوية الى تل ابيب الاثنين بحسب ما ذكرت "در كوريير" النمساوية، مصطحباً الشاب الذي كان يمكن أن يتحول الى جلعاد شاليط آخر لولا الوسيط النمساوي.
والوسيط مارتن شلاف، هو يهودي من أغنى أثرياء النمسا التي أبصر النور في عاصمتها قبل 57 سنة. وهو شريك مع شقيقه جيمس في امتلاك "مجموعة روبرت بلاتزيك" للاستثمارات المتنوعة. وكانت للمجموعة نشاكات تجارية مهمة في ألمانيا الشرقية زمن الحرب الباردة، فكان يقوم عبر شركته بتزويد السوق الألمانية الشرقية باحتياجاتها من بضائع محظور دخولها الى البلاد في ثمانينات القرن الماضي.
واشتهر شلاف بين العرب حين عقد صفقة في 1998 مع السلطة الفلسطينية منحته بموجبها إذناً بافتتاح كازينو في مدينة أريحا، فافتتح "كازينو أريحا" وربح منه الملايين في وقت قصير، لأن أكثر من 3000 اسرائيلي كانوا يرتادونه يومياً لإشباع نهمهم كمدمنين على القمار في ألعاب الروليت والبلاك جاك والباكارا والبونتو بانكو وغيرها.
ثم أقفل الكازينو عام 2000 حين بدأ الفلسطينيون انتفاضة شاملة على اسرائيل، ومازال مقفلاً الى الآن. لكن صاحبه ردّ الى الاسرائيليين كل ما خسروه على طاولات القمار الخضراء في "كازينو أريحا" طوال سنتين، فأعاد لهم رافايل حداد من ألد أعداء اسرائيل.
كمال القبيسي- العربية