زاد الاردن الاخباري -
افطارهم ، يختلف كثيرا عن بقية الصائمين ، فهم لا يعبأون بانواع الطعام وكثرة اعداد الاطباق والصحون الملقاه على مائدة الافطار ، ولا يستغرقهم اعداد وجبة افطار رمضاني سريعة من الجهد والوقت المال الكثير. يفترشون الارصفة بالقرب من الدواوير على جنبات الطرق وتحت اعين المارة لتناول الافطار بعد يوم عمل وصيام شاق وقاس وعسير.
هم عمال النظافة في امانة عمان الكبرى ، عددهم يزيد عن 1500 شخص ، 80 % منهم اردنيون ، مقار تجمعهم دوار الواحة في تلاع العلي ودوار المدينة الرياضية ومجمع سفريات الشام في العبدلي وبالقرب من سوق السكر في وسط عمان ، وعلى الدوار الثامن في منطقة البيادر ولديهم اكثر من موقع ثابت ومتحرك في مختلف مناطق امانة عمان.
يبدأ مشهد اكتمال تجمع العمال قبيل وقت الافطار الرمضاني باقل من نصف ساعة كل يوم ، يلهثون من مواقع عملهم في شوارع عمان الكبيرة والمزدحمة بحراك المركبات والمشاة ، للبحث عن مقصد هادئ ونظيف وبعيد عن اعين الناس ، لتحضير افطار اليوم.
يفترشون الارض ، ويبدأون باعداد الافطار المكون بالعادة من مادة التمر وابريق من الماء البارد ، وقطع خبز واكواب من شوربة العدس وحبات خيار وبندورة ، وحبات خس غير مقطعة ، ورؤوس فلفل بلدي حار ، وفي ايام متباينة قطع دجاج مشوية او مقلية او عرائس لحمة جاهزة.
ترتسم الفرحة على جبين عمال عمان الجميلة ، الخارجين من بيوتهم في شهر رمضان لانجاز اعمالهم واكمال ساعات عملهم اليومي دون انقطاع او ريبة ، فرحتهم بحلول وقت الافطار وسماعهم لصوت المؤذن وهو يحي لصلاة المغرب وشوارع عمان شبه خالية تختلط بدواخلهم مسؤولية العمل والتزام في معياره وشروطه وكسب قوت يومهم من عرق جبينهم.
(ابو احمد 50 عاما) قال انه أمضى في امانة عمان 25 عاما يعمل في قطاع النظافة ، يمكن له ان يستقل قبل موعد الافطار بساعة حافلة عمومية ويعود الى منزله في الجبل الاخضر ، لكنه أكد حرصه على مواصلة العمل بمكانه دون انقطاع .
وأشار الى ان العمال يكتفون بتناول ابسط وارخص الاطعمة عند حلول وقت الافطار وهم في عملهم بعيدون عن منازلهم ، لحين انهائهم لساعات العمل المقرره وهي 8ساعات يوميا ثم يعودون الى بيوتهم او الى مهن اخرى يضطر بعضهم الى ممارستها لتوفير ابسط حاجات اسرته من طعام وشراب واجرة سكن ومواصلات وغيرها.
العادة ، على حد رواية ابو احمد جرت ، على ان يختار عمال النظافة في عمان كل عام مكانا محددا لتناول وجبة الافطار الرمضاني فيه ، محاولين تجنب اعين الناس والابتعاد عن الطريق العام ، ربما لكي لا يتسببوا بحرج لانفسهم وللاخرين.
ولا يخفي ابو احمد في حديثه ل "الدستور" ان هناك اهل خير يحضّرون في بعض الايام الرمضانية وجبات افطار جاهزة للعمال ويضعونها في اكياس محفوظة بطرق صحية ولا نعرف هويتهم ولكننا نسأل الله ان يجزيهم خيرا وينعم عليهم .
لاكثر من عشرة اعوام وابو احمد يفطر اغلب ايام شهر رمضان الكريم خارج المنزل وبرفقة رفاقه العمال ، ويقول انه انتقل في خدمات النظافة بين مواقع عمل مختلفة بدءا من وسط البلد والعبدلي مرورا بالشميساني وحتى بيادر وادي السير ، وفي كل رمضان يحل ابو احمد ضيفا على فريق مختلف من عمال الوطن.
ولكن ليست هذه هي القضية ، فالعمال سعداء في عملهم ، وراضون عن افطارهم خارج منازلهم وقانعون بصبر الصائمين بحبات التمر وقطع الخبر الجافة ورشفات الشوربة وحبات الخضار ، الا ان ابو احمد يقول انهم يطالبون منذ اعوام الامانة باحتساب ساعات العمل الاضافي على اجمالي الاجر الشهري ، وتعديل معدل اجرها بما يتوافق مع ارتفاع اسعار السلع الاستهلاكية الاساسية واجور النقل.
وأشار الى ان العمال حاولوا طرق ابواب مسؤولي الامانة وغيرهم من الجهات المعنية بشؤون العمل والعمال طلبا للانصاف اسوة باجور العمال الوافدين في سوق العمل الاردني ولكن دون جدوى.
وللاسرة والاولاد في هذه المهنة محنتها الحاضرة في حديث ابو احمد ، الذي لا يخفي قلقه وقلق غيره من عمال النظافة على أمنهم الوظيفي والحسم المتكرر من قبل مسؤولي الامانة لايام عمل كعقوبة للعمال بذريعة انهم لا يقومون بعملهم بشكل صحيح او انهم يتأخرون عن موعد بدء العمل صباحا او مساء.
قلق ابو احمد ، على لقمة عيشه هو واسرته حيث يعيل عشرة افراد أعمارهم جميعا تقل عن 18 عاما ، واضح وجلي ، حيث تعرض لاضطهاد قسري في العمل والى التسريح في بعض المرات ، ولكن وجوه الخير يتدخلون وتنتهي المشكلة كما قال أبو أحمد.
الدستور