أبنائي الطلبة... أبارك لكم عامكم الدراسي الجديد، راجياً من الله العلي القدير أن يكون عام خير وبركة علينا وعليكم، وأن تُكتبوا فيه من الموفقين في الدنيا والآخرة. آمين، آمين، أمين.
أبنائي... اسمحوا لي أن أحدثكم حديث الأب لأبنائه، حديث المعلم لطلابه، حديث المحب لأحبابه، حديث القلب للقلب، حديث الروح للروح.
أبنائي... وأنتم تدرجون إلى مدارسكم صباحاً، ارسموا بسمة الأمل على شفاهكم، ولتتهلل وجوهكم بشراً وسروراً. ابتسموا لكل زميل وزميلة، ابتسموا لكل معلم ومعلمة، ابتسموا قبل ذلك لآبائكم وأمهاتكم وإخوانكم وأخواتكم وأحبابكم، ابتسموا لكل من تعرفون وأنتم إلى مدارسكم سائرون، أَشعروا كل من يراكم أنكم ذاهبون إلى رحلة سعيدة، أو حفلة رائقة، أو موعد جميل لا يمكن التخلف عنه.
أبنائي... وأنتم في يومكم الدراسي الأول في عامكم هذا، لتحلق آمالكم في أعالي السماء، ولتقارع أحلامكم المستحيل، ولتكن أشواقكم بلا حدود، وطموحاتكم سقفها السماء.
أبنائي... وأنتم تدخلون مدارسكم، ادخلوها بأقدامكم اليمنى مبسملين، وليقل كل منكم في نفسه، سأكون إنساناً آخر، سأكون طالباً متميزاً: متميزاً في ديني، متميزاً في خُلقي، متميزاً في دراستي، متميزاً في علاقتي مع ربي وخالقي، متميزاً في علاقاتي مع والديّ وإخوتي، متميزاً في علاقاتي مع زملائي، متميزاً في علاقاتي مع معلميَّ، متميزاً في علاقاتي مع الناس أجمعين.
أبنائي... عندما تدخلون المدرسة، اعلموا أنكم دخلتم محراب علم، فكونوا في مدارسكم كما يكون العابد في معبده، وثقوا أنكم في عبادة ما دمتم حريصين على تحصيل العلم وتعلمه والاعتكاف عليه وتطبيقه.
أبنائي... وأنتم في مدارسكم، تذكروا أنكم على ثغرة من ثغر الإسلام، فلا يؤتين من قبلكم، أخلصوا النية لله رب العالمين، تعلموا لله وفي الله، وليكن همكم أن نتعلم لأن ربنا جل في علاه طلب منا أن نتعلم، ويرضيه أن نتعلم، فجددوا النية، وأخلصوا العمل، وليكن توكلكم واعتمادكم على الله رب العالمين.
أبنائي... وأنتم تبدؤون عامكم هذا، تذكروا أنكم دعاة لله، دعاة لله بسلوككم، دعاة إلى الله بأخلاقكم، دعاة إلى الله بتميزكم الدراسي وتحصيلكم العلمي، دعاة إلى الله بحسن علاقتكم مع زملائكم ومعلميكم وأهليكم، دعاة إلى الله بسمتكم وملابسكم، دعاة إلى الله بكل حركاتكم وسكناتكم، فكونوا دعاة خير، ولا تكونوا للناس فتنة.
أبنائي... وأنتم تدرجون داخل صفوفكم، وتجلسون على مقاعدكم، تذكروا أن هذه المدرسة لكم، وهذه المقاعد وضعت من أجلكم، هي بيتكم، هي حضنكم، هي ملاذكم، هي ناديكم ومنتداكم، هي نصف حياتكم، فانتموا إليها، وأروها همتكم ونشاطكم، أعلنوا الولاء لها، وافتخروا بالانضمام إليها، فأنتم قلبها وروحها ودفق دمها.
أبنائي... وأنتم تصافحون وجه معلميكم، افتحوا لهم قلوبكم، حيوهم بكل الحب والوفاء، عاهدوهم بينكم وبين أنفسكم أنكم ستكونون الطلبة الأبرار، الأنقياء الأطهار، المجتهدين بإصرار، المؤدبين الأخيار. هم آباؤكم، هم إخوانكم، هم أحبتكم، فهل تعتقدون أن أباً أو أخاً أو حبيباً لا يحبكم، أو لا يشاطركم فرحكم وهمكم، أو لا يُقدِّر جهدكم، ويستشعر مشاكلكم؟!
أبنائي... المعلمون، هم أحبتنا، هم خيرة الخيرة، هم الخبرة التي تتجول بيننا، هم الكنز الذي بين أيدينا، هم قادتنا إلى المستقبل، هم عدتنا وعتادنا، هم الحضن الدافئ، والقلب المحب، والصدر الحاني. لا تشكوا لحظة واحدة في حبهم، وإخلاصهم وتفانيهم وجهدهم، ولكن، لا تتوقعوا أن يعلنوا لكم عن حبهم، وعن ذوب قلوبهم، فإنهم المتمنعون وقلوبهم تتفطر ألماً وشوقاً وحنيناً، لا تتوقعوا أن يعلن كل معلم عن حبه لكل طلبته الذين قد يعدون بالمئات، لكن من الممكن أن تعلن أنت عن حبك لمعلميك الستة أو السبعة دون العشرة، ناهيك عن ضرورات تربوية وخطوطٍ حمراء لا ينبغي تجاوزها، أو تخطيها حفاظاً على قدسية الرسالة ونبلها وتميزها وطهرها.
أبنائي... كتبكم، خيلكم، وأنتم فرسانها، فلا تخيبوا ظنها، فالخيل تعشق السباق، وتتعطش للطراد، وتهفو للريح، فالتهموا كتبكم التهاماً، ونقبوا كنوزها أولاً بأول، ولا تؤجلوا عمل اليوم إلى الغد، ولا تناموا وعليكم واجب أو مهمة، نظموا أموركم، ورتبوا أوضاعكم، وتبينوا طريقكم، تصلوا إلى أعلى مراتبكم وأنتم مطمئنين مسرورين.
أبنائي... الله، الله، في أمهاتكم وآبائكم، يسهرون حتى تناموا، ويجوعون حتى تشبعوا، ويعطشون حتى تشربوا، ويمرضون حتى لا تصابوا بعلة أو شوكة، ويعرون حتى تلبسوا، ويدارون أحزانهم حتى لا تألموا، ويكافحون حتى ترتاحوا، ويجهدون حتى تسعدوا، الله، الله فيهم، هم جنتكم وناركم، هم بعض عبادة ربكم، هم ملاذكم، هم نجاحكم وفشلكم، هم فرحكم وترحكم، هم كل شيء أو لا شيء!! فأحسنوا إليهم، وتلطفوا بهم، وقدروا مشاعرهم وأحوالهم، وأرفقوا بهم، وخففوا عنهم، وارأفوا بحالهم، لا تزيدوا أحزانهم، ولا تكونوا شقاءهم، ولا تتسببوا في إذلالهم وجرح كرامتهم، كونوا لهم ندى الصباح، وتغريد الطيور، وبسمة الأمل، وزهرة الربيع، وقطرة المطر، ونسمة الهواء، كونوا لهم، بلسماً للجراح، وخفقة القلوب، ورفرفة الأرواح، وشذى الورد، وأشعة الشمس.
أبنائي... اعلموا أن وظيفتكم هي أن تكونوا طلاباً كما يقول الدكتور إبراهيم الخليفي، وهذا يتطلب منكم أن تقوموا بواجب هذه الوظيفة خير قيام، وأن لا تشغلكم عنها أية مشغلة أخرى مهما بدت لكم مهمة أو ضرورية، فالطبيب في عيادته لا يقدم على مرضاه أي أمر آخر مهما كان مهماً، والجندي في معسكره لا يمكن أن يترك واجبه مهما كانت الظروف، وأنتم يا رعاكم الله طلبة تفرغتم للعلم، وفتحت لكم المدارس، وبذل لكم الأهل أموالهم وقلوبهم، فأدوا حق ما تفرغتم لأجله، وقوموا بواجبكم تجاه وطنكم وأهليكم.
أبنائي... من أشرقت بدايته أشرقت نهايته، فليختر كل منا بداية تسره، لتكون –إن شاء الله- نهاية تسره، ولا تختاروا الثانية، فتخيب آمالكم، وتتحطم أحلامكم، فتقضوا العمر حسرات، تعضون أصابع الندم، أعيذكم بالله من هكذا حال، وسوء مآل.
أبنائي... أنتم والله الأمل، وشعلة الحياة، أنتم نصف الحاضر وكل المستقبل، عليكم بنينا الآمال، ورسمنا ناطحات سحاب، وخططنا لاقتحام الأهوال والصعاب، فلا تخذلونا، يا كل الأمل، يا كل الحب، يا كل الحياة!!
أبنائي... إذا وجدت هذه الرسالة صدى في قلوبكم فانشروها، فقد تصادف قلباً عطشاً وروحاً تائهة، فتكونون سبباً لحياتها، اقرؤوها في مدارسكم، واهدوها لمعلميكم وأهليكم، تكن لكم رسالة حب لهم !!