ذات حوار، وفي معرض رده على سؤال المحاور في التلفزيون الرسمي عن سبب عدم احتساب علامة الحاسوب في معدل الثانوية العامة، أجاب وزير التربية بقوله: أيهما أهم الحاسوب أم الفيزياء؟؟!! وكما هو متوقع، لم يجرؤ المحاور أن يجادل الوزير، لأن الحوار كان بهدف التلميع وسرد البطولات، ولأن صوت المحاور لا يمكن أن يعلو على نائب رئيس الوزراء، صاحب السلطة والهيلمان.
أيهما أهم الحاسوب أم الفيزياء؟! مغالطة لا تختلف في جوهرها عن إجابة طالب مقصر لمعلمه: أيهما أهم حل واجب التربية المهنية أم الدراسة من أجل امتحان اللغة الإنجليزية؟! ولا تختلف عن إجابة معلم مهمل لمديره: أيهما أهم أن أنظف الصف أم أعلم الطلبة ؟! ولا تختلف عن إجابة مدير مقصر لمدير تربيته: أيهما أهم معالجة تأخر الطلبة أم ضبط دوام المعلمين؟! إجابة الطالب تستحق صفعة، والمعلم تنبيهاً، والمدير نقلاً. ولكن إجابة الوزير تستحق التصفيق والإعجاب!!!
إن إجابة وزير تربية على أمر يُشغل بال آلاف المعلمين ويؤرق بالهم، بهذه الكيفية والمغالطة، بعيداً عن السبب والنتيجة، وتهميشاً لدور العقل والمنطق، فإنها رسالة وتوجيه وإيعاز لكل مسؤول تربوي ولكل معلم أن يقتدي به، ومن اقتدى بوزيره فما ظلم!
تقول العرب: "الحجر في مكانه قنطار". أي لكل أمر في زمانه ومكانه أهمية كبرى، ولا يمكن أن يسد مكانه أمر آخر، مهما عظم. وكذلك العلوم، فكل العلوم مهمة، ولا يمكن الاستغناء عن أي علم مهما كان، فلكل استخدامه ووظيفته وأهميته. نعم، الفيزياء هي أم العلوم، ولكنها لا يمكن أن تستقيم وحدها، وهي بدون الحاسوب ستبقى عرجاء وربما صماء بكماء. وكل العلوم دون توظيف الحاسوب ستبقى متخلفة، وأي علم في الوجود يستحيل أن يستقيم أمره أو تتقدم خطواته بمعزل عن الحاسوب!!
ولو سلمنا جدلاً بمغالطة وزير التربية بأن الفيزياء أهم من الحاسوب، لوجب عليه أن يعيد ترتيب المواد حسب أهميتها، ولا أظن الحاسوب يأتي في ذيلها!! ولكنه الحلقة الأضعف، فلا سند له في الوزارة، ولأنه محارب من المسؤولين التقليديين الذين لا يتقنون استخدام الحاسوب، وربما يخافونه، وبالتأكيد يجهلون أهميته وضرورته، وقد قيل: من جهل شيئاً عاداه!
قد يقول البعض: ولكن الحاسوب ما زال مادة إجبارية في جميع المراحل والفروع؟ هذا صحيح، ولكن أهمية أي مادة دراسية تكمن بارتباطها بامتحان الثانوية العامة، وأي مادة لا علامة لها أو لا تدخل في امتحان الثانوية العامة، تصبح مادة ثانوية مهمشة في جميع الصفوف، لا يأبه لها الطلبة ولا ذويهم ولا حتى إدارات المدارس، ومن فوقها من مستويات إدارية. إن عدم احتساب علامة أي مادة، يعني موتاً سريرياً لها، قد تطول هذه الحالة، ولكن الموت قادم لا محالة!
وأخيراً، أتمنى على وزير التربية والتعليم أن يعيد النظر في قراره بعدم احتساب علامة الحاسوب، ولا داعي للتشبث بقرار مجلس التربية، الذي يعلم هو قبل غيره أنه لا يستطيع أن يُخالف ما يراه الوزير. وأن يملك شجاعة التراجع عن القرار بأخذ رأي الخبراء في الجامعات، وخطورة هذه القرار على مستقبل الجيل. وأربأ به أن يقف في وجه التطور والمستقبل، فطوفان الحاسوب والحوسبة لا قبل لأحد بمواجهته. قد تعيق الطوفان ساعة من نهار، ولكن في النهاية يفرض الطوفان سلطانه وإرادته!