يقول أحد العقلاء: "المعلم الذي يُمارس التعليم هو الشخص الأول في المؤسسة التربوية، أما بقية العاملين فهم أعوان للمعلم مهما كانت وظائفهم من مدراء وفنيين ومسؤولين صغار أو كبار، لذا إذا أردنا للتعليم أن ينهض فلننهض بالمعلم من جميع الجوانب، وأن لا يعلو على مكانته أحد، فوظيفته هي أرقى وظيفة في مؤسسة التعليم."
العبارة السابقة تُعيد الأمور إلى نصابها، وترسمُ خارطة الطريق للإصلاح والنهوض التربوي ببساطة، دون تعقيد أو لف أو دوران؛ فالأمر واضح لا لبس فيه لكل مخلص صادق.
وفي يوم المعلم الذي يصادف في الخامس من تشرين الأول، لا بُدَّ من وقفة تُؤكد أنَّ المعلم هو الأساس في العملية التربوية، وما لم يبدأ الإصلاح به ومنه فهو إصلاح أجوف لا فائدة ترجى منه.
المعلم هو جندي المشاة على خط النار في ميدان معركة التعليم، هو المقاتل الشرس ضد الجهل والتخلف والأميَّة، هو رائد التغيير والتنوير. وما لم تتضافر كل الجهود لمؤازرته ومساندته ودعمه والوقوف خلفه وتعزيز موقفه، فلن يُكتب لمهمته النجاح المطلوب، ولن يُحقق الهدف المنشود.
وما لم نُدرك أنَّ كلَّ مدير وموظف ومشرف ورئيس قسم ومدير وأمين عام ووزير يجب أن يكون في خدمة المعلم، وتيسير مهمته، وإمداده بما يلزم، وتقديم المساعدة التي يُريدها، فلن تقوم للتعليم قائمة، وستبقى المعادلة مختلة، والمجتمع يعاني من الجهل والتخلف.
وما لم نعترف بالخلل الموجود، وأنَّ المعلم هو آخر اهتمام الوزارة ومديرياتها، وأنَّه لا يجد الاحترام والتقدير اللائق به عند مراجعاته ومعاملاته، وأنَّه لا يجد في كثير من مدارسنا غرفة معلمين مناسبة، ومقعد يستريح عليه، ومكان يأوي إليه. ما لم نعترف بذلك، فسنكون كمن يضع رأسه في الرمال، يرى الحق فيتنكبه، ويرى الباطل فيصفق له.
نعم... المعلم يشعر أنَّه منبوذ غريب إذا راجع مديريته أو وزارته، يجد نفسه غريباً حتى في مدرسته، لا يأمن على نفسه في مدرسة أو شارع. يُعامل كأصحاب السوابق، ويُزجُ به خلف القضبان؛ من أجل طالب ينقصه الأدب، حصل على تقرير طبي كاذب. وويل لأمة يٌساوى فيها بين المعلم والطالب، يقف فيها الطالب نداً وخصماً للمعلم أمام القضاء. فأي تربية تُرتجى، وأي علم يُؤمَّل؟؟!!
يأتي يوم المعلم هذا العام، والمعلم بين المطرقة والسندان... بين نقابة لا حول لها ولا طول، عاجزة عن حماية نفسها، والوقوف على قدميها، وبين وزارة لا ترقبُ في المعلم إلا ولا ذمة، تعامله كعبد، لا رأي له ولا صوت، عليه السمع والطاعة دون تردد، فما خُلق إلا لخدمة الوزارة، وزارة تحمله تبعة كل خلل وضعف وترهل، وتكيل له التهديد والوعيد كل صباح ومساء، فهو المسؤول عن كل الأخطاء، أما هم فمبرأون أطهار مُخْلَصون!
وبهذه المناسبة، أعيد نشر هذه الكلمات لزملائي المعلمين والمعلمات، جُهدَ المُقِّل، وحيلة المُقصِّر:
سيدي المعلم ...
يفترض بي في يومك هذا أن أفرش لك الأرض وروداً، وأن أُلبسك من الحرير حللاً، ومن الذهب أساورَ، ومن الجواهر تيجاناً، ومن المسك عطراً، ولكنَّ هذا هو الواقع الذي تعرف، والحقيقة التي لا أستطيع نكرانها، فلتقطع الشك باليقين، ولا تتعلق بأوهام لن ترى النور يوماً، ولا تنتظر أن يتحقق وعدٌ نسيه مَنْ وَعد. ولا تتوقع أن يُعطيك الحقُ مَنْ لا يُؤمن به. ولا أن يُحقق لك أمنية مَنْ لا يعيش إلا في الكوابيس!!
سيدي المعلم ...
لو أنصفنا لكنا جميعاً في خدمتك، نُسارع إلى تقديم العون والمساعدة والدعم لك، نذهب إليك أينما كنت، ونساهم في تذليل الصعوبات التي تعترض طريقك، ولكنا نكسنا الآية؛ فأصبحت أنت المُطارد، وأنت المتهم، وأنت المذنب، وأنت الحلقة الأضعف، لا نرقب فيك إلا ولا ذمة، ونتباهى إن سحقنا لك جناحاً، أو نتفنا لك ريشاً، أو كسرنا لك خاطراً، وما درينا إنا بما فعلنا بك واقترفنا بحقك، إنما أهدرنا كرامة وطن، وضيعنا مستقبل أمة، واختلسنا فرحة ترتسم على شفاه الأمهات والآباء، وطمسنا الأمل في قلوب ارتضت أن تكون للشقاء درباً، وللجهل مناراً، وللعلم دليلاً.
سيدي المعلم ...
سيمر يوم المعلم عادياً كأي يوم آخر، فهو يوم منسي لا يُحسب له حساب. فلا تبتئس ولا يصدنك عن مهمتك ما فعل الجاحدون، وما تطاول الجاهلون، فلك في قلب كل طالب عيداً، وفي قلب كل أم دعاءً، وفي قلب كل مخلص ضراعة، وفي قلبك أنت جنتك وجائزتك وتكريمك وهديتك وحفلتك. فكن لنفسك محفزاً، وكن أنت من يحيل سواد ليلهم إلى ضياء، وسراب أوهامهم إلى حقائق، ولتجعل من كل أيامهم أعياداً ومناسبات فرح وسرور، فأنت القادر أن تصنع العيد فلا تنتظره، وأنت القادر على رسم المستقبل، فليكن رسمك بارعاً، وأنت وحدك من ترتفع بالسقف إلى الأعلى، فلا ترضى بغير السماء غاية، وأنت وحدك من تحقق الحلم، فكل حلم سيتحقق يوماً ما وإن كان بعيد المنال.
سيدي المعلم ...
هي كلمات أواسي بها نفسي قبل أن أواسيك، وأمسح بها دمعي قبل أن يخرج من عينيك، وأداري بها عجزي قبل أن تشعر به، وأداوي بها جرحي قبل أن يتسع ويلتهب، فتوكل على الله سيدي، ولترمي أحمالك عليه، فهو المرتجى وإليه الملتجأ، وهو الهادي إلى سواء السبيل.