عندما يتخطى الشكر والتكريم الرسمي قائداً تربوياً بحجم الدكتور عبدالله الهزايمة، ندرك أن ثمة خطب وخلل وعبثية أيضاً. ولكن عندما نتبصر قول ابن عطاء الله السكندري: "ربما أعطاك فمنعك، وربما منعك فأعطاك" ندرك السر، وأن كل شيء بقدر مرسوم، وأن ما يريده الله أجمل وأروع ما نريده لأنفسنا.
تطاول السفهاء على الدكتور الهزايمه وصحبه الكرام، وظنناها مصيبة وطامة كبرى، لكن أرادها الله تكريماً غير مسبوق. فهذا الالتفاف والدعم والمساندة للدكتور الهزايمه، والمؤازرة الكبيرة، والزيارات من كل حدب وصوب، تؤكد أن ما حدث لم يكن في الحسبان، لا التطاول، ولا المؤازرة الشعبية، ولكنه حدث دون سابق إنذار، ودون توقع، ودون مبرر مقبول، ولكنها إرادة الخالق فوق إرادة كل مخلوق، فما حدث تكريم للهزايمه وتتويج له في حفل بهي نقي شاركت فيه جميع فئات المجتمع، حباً وعرفاناً وتقديراً!
لقد نجح الدكتور عبدالله في فك الطلسم، وتوصل إلى سر الخلطة السحرية للإدارة التربوية الناجحة؛ فأحدث انقلاباً في فترة زمنية قصيرة جداً، واستطاع أن يخلق انسجاماً رائعاً بين الإدارة والمعلمين والطلبة والمجتمع المحلي في فترة زمنية قياسية، كانت مستعصية على كثيرين، ولكنه أحدث ما ظنه البعض مستحيلاً، وتحولت مدرسة عمر بن الخطاب في الزرقاء من بؤرة ساخنة تسبب الصداع لكل مسؤولي المديرية، إلى مدرسة مستقرة جاذبة تتوالى نجاحاتها يوماً بعد يوم، وأصبحت مضرباً للأمثال، وميداناً خصباً للتغيرات الإيجابية، ومثاراً للإعجاب والإنبهار!
لا يملك الدكتور الهزايمة عصا موسى، ولا مال قارون، ولكنه يملك إرادة قوية، وعزيمة كبيرة، وإيماناً بالإنسانية وضرورة احترامها وتقديرها، فاهتم بجوهر الإنسان واجب التقديس في المعلم والطالب والأهل حول المدرسة، ورد إليهم ما حرموا منه وزادهم كرماً منه تعويضاً عما فات، فالتفوا حوله، وآمنوا بأنفسهم، فتفجرت الطاقات، وتفتقت المواهب، واشتدت العزائم، فتحولت المدرسة إلى حديقة غناء وارفة الظلال، بعد أن ارتوت من الندى ورحيق الحب والاحترام.
لم يكن في وارد أحد، ولا في أشد الكوابيس قتامة وسواداً أن تمتد يد قبيحة إلى الدكتور عبدالله، فقد كان ملاذاً للجميع، وأخاً للجميع، وصمام أمان للجميع. فما عُرف عنه إلا السلاسة والتعقل والحكمة والمرونة، حلالا للمشكلات، فكاكاً للأزمات، محلقاً في الفضاء بأحلامه وإيمانه بالجميع، ومن هنا استهول الجميع ما تعرض له الدكتور، واستكبروه، وأدانوه بكل المشاعر والجوارح، ورأوا فيه وحشية وخروجاً على كل القيم والأخلاق والعادات، فأي ذنب ارتكبه، وأي جريمة اقترفها، كي تنال منه يد الغدر والخسة. امتدت يد الدكتور بكل براءة وإنسانية للمصافحة، فقابلتها اليد الأخرى بالتطاول والإساءة، فكانت صدمة نفسية قبل أن تكون إصابة جسدية. صدمة نفسية للجميع، مديراً ومعلمين وطلبة ومجتمع محلي ولكل إنسان عرف أو تعامل أو سمع عن الدكتور عبدالله. ومن هنا كان هذا الدعم غير المسبوق للدكتور عبدالله ممن يعرفه ولا يعرفه، فزاره الآلاف من المسؤولين والمعلمين والطلبة والمجتمع المحلي والمؤسسات الرسمية والشعبية، وتحولت قضيته إلى قضية رأي عام، تلقي الضوء بقوة على خطورة ما يحدث وما يتعرض له المعلمون في عقر دارهم دون ما سبب أومبرر، اللهم إلا تفريغ احتقانات، وتنفيساً لأزمات يكون ضحيتها الصالح قبل الطالح، والمحسن قبل المسيء.
هذا الالتفاف الشعبي حول الدكتور عبدالله، لم يكن لشخصه، وهو يستحقه بالتأكيد، ولكن لما يمثله من رمزية ونموذج إداري ناجح، وسمعة طيبة، وكفاءة مشهود لها، وشخصية تستحق الاحترام والتقدير. التفاف غير مسبوق للحفاظ على ما تبقى من نقاط مضيئة، وقصص نجاح متميزة، ولما يمثله من أمل بالتغيير والتطوير والارتقاء، فحتى من يعيش وسط القاذورات، يسوؤه أن تتكدر عين الماء، أو أن تمتد يد لتخريب حديقة غناء، أو أن تُحجب عنه زرقة السماء!
لم أتعرف إلى الدكتور عبدالله إلا من عهد قريب، والتقيته ثلاث مرات قصيرات، فوجدته شاباً خبرته لا تتجاوز عشر سنوات في التربية، ولكني أدركت إنه إنسان مختلف، وقائد تربوي واع ومدرك، يحمل روحاً إيجابية، وحماسة متقدة، يفيض حيوية، وإيماناً بمن حوله، وقدرة عجيبة على تفجير الطاقات، وبناء فريق متماسك قوي قادر على إحداث التغيير المنشود. وقد كسب الرهان، وحقق المراد، فعندما غاب الدكتور عن المدرسة راقداً على سرير الشفاء في المستشفى، تحول كل معلم وكل طالب إلى عبدالله الهزايمة، والتف حوله الجميع بحب صادق شفاف، وقلوب آلمها ما حدث، ولكنها لم تتخل عن نهج قائدها وطريقته في إدارة دفة السفينة، فالصخرة قد تعيق الحركة، ولكنها لن تمنعها من السير بطريق ربما أيسر وأجمل!
حفظ الله الأخ الإنسان الدكتور عبدالله الهزايمه، ومعلميه الكرام، وطلبته الأوفياء، ورده إلى مدرسته قائداً ملهماً، ليستأنف قيادة المسيرة بعزم وتصميم وإرادة لا تلين.
وتحية إجلال وإكبار للأخ المعلم مراد خليل الذي دافع عن مديره، وكان له نصيب من السوء والإيذاء، فجاوره على سرير الشفاء، مترجماً تلاحم الأسرة التربوية في مدرسة عمر بن الخطاب التي تستحق كل الاحترام والتقدير.