القدس في عهد اليبوسيين (3000 ق. م)
اليبوسيون بناة القدس الأولون، وهم بطن من بطون العرب نشئوا في صميم الجزيرة العربية وترعرعوا في أرجائها ثم نزحوا مع من نزح من القبائل الكنعانية واستوطنوا أرض القدس، حيث دعيت في عهدهم يبوس، وكان لليبوسيين حكومة ذات نظام، لها كيانها، وبنوا سورا حولها وقلاعا وحصوناً فيها.
ومن أشهر ملوكهم، ملكي صادق، وسالم اليبوسي، وهو الملك الذي عرف أنه بذل جهدا كبيرا في توسعة عمران المدينة، فقد بنى قلعة حصينة على الرابية الجنوبية الشرقية من يبوس سميت حصن يبوس والذي يعد أقدم بناء في مدينة القدس، كما أقام من حوله الأسوار، وبرجاً عالياً، وعرف حصن يبوس فيما بعد بحصن صهيون، ويعرف الجبل الذي أقيم عليه الحصن بجبل صهيون، وكانت يبوس في عهده محصنة تماما حتى أنها صمدت أمام بني إسرائيل.
وآدوني صادق، وهو الملك اليبوسي الذي ترأس حلفا من أربعة ملوك للتصدي للغزو الإسرائيلي لمدن فلسطين بزعامة يشوع، لكن يشوع استطاع أن ينزل الهزيمة بالحلفاء دون أن يتمكن من احتلال المدينة. واستغل العبرانيون ضعف اليبوسيين وتفرق كلمتهم، فغزوا المدينة، مما جعل حاكمها عبد حيبا إلى طلب العون من فرعون مصر أخناتون ليحميه من العبرانيين، مما جعل ذلك سببا لخضوع القدس فترة من الزمن للفراعنة المصريين.
القدس في عهد الفراعنة (1370 ق. م):
كان العبرانيون كلما احتلوا مدينة أعملوا السيف والنار فيها وفي سكانها، في حين كان المصريون يكتفون بالجزية ولا يتعرضون لسكانها ولمعتقداتهم، فطلب حاكم يبوس عبد حيبا من فرعون مصر أخناتون بأن يقدم له الولاء، ويطلب منه العون ليحميه من غارات العبرانيين، ومنذ ذلك الوقت خضعت يبوس لحكم الفراعنة ومنهم أخناتون 1370 ق.م. وتوت عنخ آمون 1351ق.م. ولم يسع المصريون إلى تمصير البلاد، بل اكتفوا بأخذ الجزية، ومع مرور الوقت أخذ اليبوسيون بالتمرد على المصريين والثورة ضدهم، ممتنعين عن دفع الجزية، مما جعل العبرانيين يستغلون هذه الظروف، حيث تمكنوا من احتلال المدينة.
القدس في عهد العبرانيين (966 ق.م):
خرج العبرانيون من مصر حوالي عام (1220 ق. م) بقيادة موسى عليه السلام متجهين نحو أرض فلسطين، ولما حاولوا في بادئ الأمر دخول البلاد من ناحيتها الجنوبية قاومهم الفلسطينيون وحاولوا دون تحقيق هدفهم من دخول البلاد، عندئذ توجهوا إلى جبال مؤاب والمناطق الواقعة شرقي الأردن. في تلك الأثناء توفي موسى عليه السلام، فتولى قيادتهم يشوع بن نون الذي عبر بهم الأردن واحتلوا في طريقهم عدة قرى، وحاولوا احتلال مدينة يبوس، لكن لمناعة أسوار المدينة حالت دون ذلك، ولكن لمحاولاتهم المتكررة تمكنوا من احتلالها في زمن الملك داود.
القدس في عهد الملك داود (996 ق.م – 963 ق.م):
تمكن الملك داود من احتلال يبوس بعد عدة محاولات، ولما استولى عليها كانت تتمتع بوجود حكومة فيها وصناعة وتجارة وحضارة متقدمة، فاتخذها عاصمة ملكه وأسماها مدينة داود، وجعل اليهودية الديانة الرسمية في البلاد. وجعل فيها مقرا لجميع السلطات الدينية والسياسية والعسكرية، ولذلك اعتبر داود المؤسس الأول للمملكة العبرية.
القدس في عهد الملك سليمان (963 – 923 ق.م):
تولى الملك سليمان الحكم بعد وفاة أبيه وخلال هذه الفترة قام بعدة إنجازات في مدينة القدس حسب ما أوردته الروايات التاريخية، حيث قام بتجديد بناء ما كان هناك من أسوار للمدينة، وعمل على إنشاء وفتح المخازن التجارية لتمد القوافل المتنقلة بين بلاد الرافدين ومصر عبر مدينة القدس بما تحتاجه من المواد التموينية. وبعد وفاة الملك سليمان عام 932 ق.م انقسمت المملكة اليهودية إلى قسمين شمالية وعاصمتها السامرة ( نابلس) وجنوبية وعاصمتها أورشليم (القدس).
القدس في عهد الآشوريين (721 ق.م):
تعرضت القدس لغزو الآشوريين بقيادة ملكهم شلمنصر، فسبى سكانها وظل يحاربهم ولم تدخل في حكم الآشوريين إلا على عهد سنحريب الذي دك أسوارها، ولكن وبعد أن دب الضعف في صفوف الآشوريين تخلوا عنها للبابليين
القدس في عهد البابليين (597 ق.م):
تمكن نبوخذ نصر ملك الآشوريين من حصار القدس ودك أسوارها، وأذاق أهلها الأمرّين الجوع والمرض، وسبى شعبها إلى بابل، وهكذا انقرضت مملكة يهوذا سنة 586 ق.م، وأصبحت مستعمرة بابلية تدفع الضرائب. ولكن أهم ما ترتب على السبي البابلي، هروب اليهود الذين استبقاهم نبوخذ نصر في القدس ولم ينفهم إلى بابل، إلى مصر والحجاز وذلك إما لضعفهم أو لفقرهم، كما تحول اليهود بعد السبي إلى جماعات انتشرت في عدة أماكن متفرقة من العالم، فتجنسوا بجنسيات البلاد التي نزلوا فيها وتصاهروا مع عائلاتها.
القدس في عهد الفرس (538 ق. م):
أعاد كورش ملك الفرس اليهود المسبيين إلى بابل، وذلك بعد توسط زوجته لديه، وظلت القدس تابعة لملوك الفرس وتدفع الضرائب حتى خضعت للإسكندر المقدوني سنة 332 ق.م.
القدس في عهد اليونان (332 ق.م):
فتحها الاسكندر المقدوني سلما سنة 332 ق.م ومنح سكانها حريتهم وسمح لهم بالحكم الذاتي وأعفاهم من دفع الجزية إلا مرة كل سبع سنين، وبعد وفاة الاسكندر سنة 323 ق.م أصبحت من نصيب بطليموس، وبقيت خاضعة للحكم اليوناني إلى أن احتلها القائد الروماني بومبي سنة 63 ق.م.
القدس في عهد الرومان (63ق.م ):
أهم ما يميز هذه الفترة تولي هيرودس سنة 37 ق.م حكم المدينة حيث شاد العديد من العمائر في المدينة فقد بنى القلعة في باب الخليل وكان له قصر كبير وهو الذي شيد الحصن المعروف بـأنطونيا.
القدس البيزنطية (330م):
بعد أن تولى قسطنطين عرش الأباطرة سنة313 م، أصبحت إيليا مدينة بيزنطية تابعة للقسطنطينية، وأهم ما يميز هذه الفترة زيارة أم الإمبراطور قسطنطين الملكة هيلانة لإيلياء حيث بنت كنيسة القيامة سنة 335م، وفرض قسطنطين على اليهود بأن يتنصروا ومن لم يتنصر قتل أو غادر البلاد. وفي عهد هرقل تم احتلال المدينة من قبل كسرى ملك الفرس سنة614 م وهدم كنيسة القيامة ومعظم الكنائس، لكن هرقل تمكن ثانية من استعادة المدينة سنة 629 م، وانتقم من اليهود شر انتقام.
القدس في عهد الإسلام سنة (15هـ/636م):
لمدينة القدس مكانة خاصة لدى المسلمين فهي مسرى رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، ومنها عرج به إلى السماوات العلى، وهي قبلة المسلمين الأولى، وفيها ثالث الحرمين الشريفين. لهذا فقد شرع الرسول صلى الله عليه وسلم ومنذ السنة الثامنة للهجرة في العمل لفتحها، حتى تم ذلك على يد الخليفة العادل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، والذي أعطى العهد والأمان لأهلها وبات يعرف بالعهدة العمرية. هذا وقد اهتم الخلفاء والسلاطين من أمويين وعباسيين وفاطميين وأيوبيين ومماليك وعثمانيين بالقدس، وقد تمثل ذلك بالزيارات المتكررة لهم، وبالعمائر التي أشادوها والمتمثلة بقبة الصخرة المشرفة والمسجد الأقصى المبارك، والمساجد والمدارس والزوايا والتكايا والأسبلة وغيرها، حيث خصصوا لها الأوقاف للإنفاق عليها.
القدس وحملات الصليبين (1099م):
في أواخر العهد الفاطمي تعرضت القدس لهجوم من قبل الفرنجة، حيث تمكنوا من احتلالها سنة 1099م، وعلى إثر ذلك ارتكبوا أبشع الجرائم في حق هذه المدينة المقدسة وأهلها الآمنين، والتي لا تقل شأنا عما تلاقيه من احتلال وتدنيس تتعرض له وبشكل يومي من قبل اليهود في وقتنا الحاضر، وقد ذبحوا معظم سكانها، وأنشئوا فيها إمارة صليبية عرفت بمملكة القدس، استمرت حتى عام 1187م، وقام الصليبيون بتحويل مسجد الصخرة والمسجد الأقصى إلى كنائس لهم. وبقي وضع القدس على حاله إلى أن بعث الله لها صلاح الدين الأيوبي القائد المسلم، والذي طهرها من دنس الصليبيين، وأزاح كل ما أحدثوه فيها من محدثات. وعمل على إعادة الطابع العربي الإسلامي للمدينة وعين الائمة وخصص الأوقاف للإنفاق على مساجدها وزواياها، ووضع المنبر الذي صنعه نور الدين زنكي في المسجد الأقصى المبارك.
الاحتلال البريطاني (1917- 1948م):
احتل البريطانيون القدس سنة 1917م، حيث تعهدوا ومنذ الفترة الأولى بتنفيذ وعد بلفور المشئوم، وذلك بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين
القدس في العهد الأردني (1948 – 1967م):
خضعت القدس للحكم الأردني 1950 -1967م.
وفي 5 حزيران 1967م احتلت إسرائيل باقي الضفة الغربية وقررت في 28 حزيران من العام 1967م توحيد شطري القدس.
ان ما تشهده اليوم مدينة القدس الشريف أولى قبلة المسلمين من انتهاكات واضحة وغش وتدليس وتدنيس وزور وبهتان ، تحتاج من الأمة العربية الاسلامية إلى مراجعة شاملة وسريعة لإعادة الحساب والمتمثلة في تقويض عملية السلام لآنهم هم من بغوا وتكبرو ونقضوا العهود والمواثيق العالمية والعربية الدولية .
بينما يقف المجتمع الدولي عاجزاً في اتخاذ قرار لحل القضية ، فلزاما عليننا وهو اقل القليل نسف عملية السلام أو الاستسلام عن بكرة ابيها كرامة لدماء شهداء المجازر الصهيونة المتتالية وكرامة للمسجد الأقصى وكرامة للنخوة العربية .