... تمارس العديد من شعوب العالم طقوسا سنوية تتجدد بداية كل عام بهدف طرد "الأرواح الشريرة " من قلوب الناس ومن المدن والشوارع والغابة والقرية كي يعود للإنسان نقائه وصفاء قلبه مسالما محبا متعاونا غير مؤذ ولا شرير ، وتشكل تلك الطقوس الراقصة مع استخدام أشكالا غريبة ودمى سوداء وعظام الحيوانات عند تلك المجموعات مصدر راحة وإلهام وأمل ب" تنظيف " قلوب الناس مما لحق بها من مفاسد وشر وتحولوا لأدوات واتباع للشيطان .
بلادنا وأمام تغير المزاج والأحوال واشتداد ثقل هموم الحياة وزيادة الضغوطات التي تواجه المواطن والشباب عامة من بطالة وفقر وتهميش وفقدان الأمل بغدٍ افضل وانعكاسات تلك المشاعر على سلوكهم وادائهم وتعاملهم مع الأخرين بطرق بدات تميل نحو العنف وتصل حد المصادمات والإقتتال والقتل حتى أمام اشارة ضوئية او اصطفاف على طابور شراء سلعة ، ومع ميل واضح نحو الاقدام على الإنتحار كوسيلة سهلة للخلاص من الهموم والتحديات في ظل فقدان امل بالتغيير ،فهي بحاجة لطقوس تطرد منها الارواح الشريرة التي استقرت في قلوب الناس .
لم يتوقف العنف عند تلك الطبقات التي تعاني من ضغوطات الحياة ، بل وتصل حد الطبقات المتخمة نفسها ، فالعنف ظاهرة في كل الطبقات تكاد لا تخلو منها طبقة ، ومن يتابع تقارير الأمن والإعلاميدرك حجم المأساة واتساعها ، فلا يكاد يخلو يوم واحد من مشاجرة او قتل او بلطجة او تجارة في ممنوعات ومحرمات ، وهي تشير الى أن "الارواح الشريرة " تسكن بل وتستقر في العديد من اجساد البشر هنا وتتسع لتشمل فئات كبيرة من مجتمعنا استقر الشيطان في ضمائرها وباتت تمارس كل انواع الفساد والشر في الوظيفة والمسؤولية وفي البيع والشراء وكافة المعاملات .
وحيث يسكن الجشع والفساد والترهل وغياب المحاسبة وغياب العدل تسكن الأرواح الشريرة ، فالتاجر الذي يقدم للناس بضائع مسمومة ومنتهية الصلاحية او ترتفع أسعارها بشكل لايتفق مع الاسعار الموجودة محليا وعالميا بهدف الربح السريع يعاني من سيطرة ارواح شريرة تسكن جسده ، والموظف الذي يستثمر وظيفته بهدف السرقة والرشي تسكنه ارواح شريرة ، والمسؤول الذي لا يتابع عمله ولا ينجز مهامه ولا تحركه هموم الناس ومعاناتها ولا يحرك ساكنا لوقف الفساد والجشع والنهب والمحسوبية والشللية بل ويمارسها علنا سوأء اكان حاكما او وزيرا او مديرا تسكنه ارواح شريرة .
في الأردن يبدو أننا بحاجة لمهرجان سنوي او أكثر كي نخرج تلك الأرواح الشريرة من اجساد مواطنينا في ظل غياب العدل والمحاسبة و الترهل والمحسوبية ، فإن لم نكن قادرين على تحقيق العدل وازالة كل مظاهر التخلف التي تمارس وتترك أثارا مدمرة على وطننا ، فلا بد أن نلجأ " لطقوس طرد الأرواح الشريرة " التي كان يمارسها الأجداد لطرد تلك الأرواح الشريرة من اجساد بعض ابنائهم وتنقيتها من كل شوائب اصابتها بالعلل والجشع والفساد .
نحن بأمس الحاجة لتلك الطقوس الطاردة للأرواح الشرية التي اجتاحت واستقرت ليس في بعض قلوب قلة من ابنائنا بل وفي جموع كبيرة تجدها في كل وزارة ومؤسسة وشارع وقرية وبيت حدا لا تكاد تميز فيها الحق من الباطل حيث انقلبت كل الموازين ، فبات الفاسد محترما ومبدعا ، وبات بائع المخدرات تاجرا له مكانته في المجتمع ،وبات الممسك بدينه وقيّمه واخلاقه حالة غريبة وظاهرة تستدعي الدراسة !