عندما بدأنا نكبر ونعي كلمة وطن ظننا انها تعني ارتداء الشماغ او حمل العلم او التباهي بحمل صورة الملك او ترديد الاغاني الوطنية وكنا نفرح كثيرا عند فعل ذلك ويرانا الاخرون ليعلموا اننا وطنيون .
مضت السنين وبدأنا نكبر ولا زلنا نفعل ذلك متباهين بوطنيتنا وروؤسنا كانت تكبر اكثر واكثر ونحن نعليها متباهين بذلك حتى وصلنا للشعور بانها قد اصبحت ثقيلة ولم نعد نقوى على حملها .
كبرنا وكبرنا حتى وصلنا لاعمار بدأنا نصحوا فيها على انفسنا ونكتشف ان روؤسنا الثقيلة هذه ما هي الا طبل اجوف لم يصل بعد لفهم معنى الوطنية , استتفهنا انفسنا حين اكتشفنا اننا اصبحنا وطنيين بتصرفات لا تعدو عن كونها تصرفات صبيانية .
فحمل العلم او صوة الملك او ارتداء الشماغ او ازعاج غيرنا بصوت الاغاني الوطنية لم يقدم شيئا للوطن ولم يزرع فينا مفهوم ان نكون وطنيين نقدم للوطن افعال لا مظاهر واقوال وادركنا اخيرا بعد مرور سنين فترت خلالها همتنا وقل نشاطنا وبدا شبابنا بالضمور رويدا ادركنا ان الوطنية هي ان نعلو بالوطن بالفعل , ان نبحث هنا وهناك عن اي خلل لنصلحه.
ان نعين كل محتاج لمساعدة حتى نثبت له انه بوطن لا زال بخير , فما فائدة ان نتغنى بوطن بحمل علم او غيره وهناك مظلوم وجائع ومنكوب وهناك من يموت باليوم الف مرة قهرا ولا تستطيع عيناهم تمييز ألوان العلم لانهم نسوا ان لهم وطن يقف لاجلهم وينصرهم بضيقهم , لكنهم سيرون الوطن ان طرقنا ابوابهم ونصرناهم واعدنا لهم الامل بالحياة بإسم الوطن وقتها سيتأكدون انهم بوطن لاننا بعدما كبرنا تأكدنا ان السعي لاجل كل من يعيش بالوطن هو الانتماء الحق للوطن .
فبعض من يتغنون بالوطن بتلك الافعال الجوفاء لو مرت عليهم قصة مكلوم او غيره في هذا الوطن فانهم يغلقون اذانهم واعينهم عنها بقولهم " الله لا يردهم نحن مش مجبورين فيهم ".. والبعض الاخر يغلقون الشواارع ويعطلون الغير عن مصالحهم بحجة مسيرات انتماء وغيرهم ممن تأذوا من فعلهم لا يستطيعون الا ان يقولوا بداخلهم " روحوا الله لا يوفقكم ويشتمون الوطن بقهر " فكيف لهؤلاء ان يقنعوننا انهم يحبون الوطن وهم يتخلون عن فعل اقل ما يمكن ان يثبت للجميع انهم كذلك .
فليس كل من يشتم الوطن هو عدو له فهو ربما ابن هذا الوطن وكان مخلصا يوما ما لكنه عانى وظُلم ومات قهرا كل يوم لانه لم يعد يشعر بان له وطن يحميه .
كبرنا واكشتفنا ان الفاسد يتغنى بالوطن ويتخفى بالعلم وغيره لاجل ان يبهر الغير بوطنيته بالعلن ويعمي عيونهم عن رؤية فساده بالخفاء ..
فإن كانت وطنيتي هي فقط برفع علم ولبس شماغ وتقبيل صورة الملك وترديد الاغاني الوطنية التي اجتاحت السوق برخصها فانا اعلن للعيان انني برئ من هذه الوطنية ...